يا أمير المؤمنين!! إنه قول باب مدينة العلم الذي يجلس على ذروتها أحمد صلى الله عليه وسلم:. أيها الناس: سلوني قبل أن تفقدوني. فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها.
وتذهب بأحلام قومها " (1).
يقول ابن أبي الحديد: أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة، ولا أحد من العلماء " سلوني " غير علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ذكر ذلك ابن عبد البر المحدث في كتاب " الإستيعاب " والمراد بقوله: " فلأنا أعلم بطرق السماء مني بطرق الأرض "، ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور.
ولا سيما في الملاحم والدول. وقد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغيوب المتكررة. لا مرة ولا مائة مرة. حتى زال الشك والريب في أنه إخبار عن علم. وأنه ليس عن طريق الاتفاق. وقد تأول قوم على وجه آخر قالوا: أراد أنا بالأحكام الشرعية والفتاوى الفقهية أعلم مني بالأمور الدنيوية، فعبر عن تلك بطرق السماء، لأنها أحكام إلهية، وعبر عن هذه بطرق الأرض لأنها من الأمور الأرضية (2).
وقال ابن أبي الحديد فيقول الإمام: " إن أمرنا هذا صعب مستصعب، ولا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان "، قال: هذه الكلمة قد قالها كرم الله وجهه مرارا. ووقفت في بعض الكتب على خطب من جملتها: إن قريشا طلبت السعادة فشقيت، وطلب النجاة فهلكت. وطلبت الهدى فضلت، ألم يسمعوا ويحهم قوله تعالى: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) (3)، فأين المعدل المنزع عن ذرية الرسول، الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم. وأعلى رؤوسهم فوق رؤوسهم، واختارهم عليهم، ألا إن الذرية أفنان