وأوعد من تولى كبره منهم عذابا عظيما؟ ويقول تعالى في طائفة أخرى منهم:
(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (1)، فهل يدخل دائرة العدول من ترك الصلاة وراء رسول الله يوم الجمعة وتركه قائما وانطلق إلى الطبل والتجارة؟ وروى البخاري حديث الارتداد وقد ذكرناه فيما سبق وفيه: " فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (2)، وروى أيضا: " إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " (3)، فهل المرتد ثقة؟
هل المرتد في دائرة العدول؟ وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (4)، فهل يجوز للذي لم يأتمنه الله على نبأ. أن تأتمنه الأمة على قيادتها؟ هل الفاسق يمكن أن يقود الناس إلى صراط الله؟ هل يجوز للفاسق أن يعلم الناس تأويل القرآن؟
وهناك مدرسة لا ترفع إلا أعلام النبي صلى الله عليه وسلم وتأخذ بسنته من الذين عينهم الله على لسان نبيه، وترى على طرف هذه المدرسة دموع أبي بن كعب وأبي ذر الغفاري والمقداد وسلمان الفارسي وترى عليها أيضا دماء عمار وحجر بن عدي، وترى أعلام الحسين ومن معه، وإذا كان هؤلاء جميعا حججا على الجيل الأول. وإذا كانت حركتهم دعوة للنجاة لينظر الله تعالى إلى عباده في القرن الأول كيف يعملون. فإنهم أيضا حجج على الحاضر وعلى المستقبل. لأن التاريخ وحدة واحدة تنقسم إلى ماض وحاضر ومستقبل فإذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها (5)، فالحاضر يشارك الماضي في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. ولهذا كان حجج الجيل الأول كمفتاح في يد الحاضر يفتح به