فالقرآن نزل بلغه قريش، ومن هذه اللغة خرج العلم وتمدد على صفحة الأرض. وعثمان نفسه قال للذين نسخوا المصاحف. " اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم " (1)، ونحن لا ندري إذا كان قد نزل بلسان قريش فكيف يكتب بلسان قريش؟ ومن الثابت والمحفوظ أن عبد الله بن مسعود تصدى لقرار عثمان في هذا الشأن. يقول محب الدين الخطيب وهو من المتحمسين في الدفاع عن الدولة الأموية: أن ابن مسعود كان يكتب ما يوحى من القرآن في مصحفه كلما بلغه نزول آيات منه. وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حسن تلاوة ابن مسعود للقرآن. وقد تسارع أبو بكر وعمر ليوصلا لابن مسعود هذا الثناء النبوي (2). وكانت تغلب على ابن مسعود لهجة قومه. والنبي صلى الله عليه وسلم رخص له أن يقرأ بلهجاتهم (3). وعندما صدر قرار عثمان بحرق المصاحف يقول أبو بكر بن العربي وهو أيضا من المتحمسين للدولة الأموية:
كان في بقائها فساد. أو كان فيها ما ليس من القرآن. أو ما نسخ منه. أو على غير نظمه. إلا أنه روى عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال: أما بعد فإن الله قال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)، وإني غال مصحفي فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل. وأراد ابن مسعود أن يأخذ مصحفه فأكرهه عثمان على رفع مصحفه. ومحا رسومه فلم تثبت له قراءة أبدا. ونصر الله عثمان والحق يمحوها من الأرض (4). وفي تعليق لمحب الدين الخطيب يقول: إن عثمان كان على حق في غسل المصاحف كلها ومنها مصحف ابن مسعود لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل وجه ما كان في استطاعة البشر. وهو من أعظم أعمال عثمان (5). ومن المعلوم أن عثمان ضرب ابن مسعود خلال هذه الأحداث.
وعلى أي حال فقد تم تفريغ القرآن من التفسير. أما المصاحف التي كانت عند