كانوا من بيوت متنافسة، فكان لا بد من محو العصبية، والدمج بينهم بحكم أخوة الإسلام.
ومنها (ثالثا) أن الأنصار لم يكونوا متآلفين فيما بينهم، فكانت على مقربة من هدايتهم، العداوة المستمرة الأوار بينهم، بين الأوس والخزرج، فكان لا بد من العمل على نسيانها، وذلك بالمؤاخاة المحمدية.
ومنها (رابعا) أن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما عقد المؤاخاة، إنما كان يشرع للأمة من بعث هذا النظام الذي يجمع المسلمين، ولم يكن حكما لحادثة واقعة، ولا علاجا مقصورا، على ما بين المهاجرين والأنصار، بل هو تأليف للمؤمنين، ونظام متبع، وربما تكون الحاجة إليه من بعد، أشد وأكبر، ولذلك كان ولاء الموالاة الذي تقرر، أنه لم ينسخ، وأنه بين العرب وغيرهم من الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام من بعد (1).
وفي الواقع فإن الأحاديث الشريفة التي رويت عن سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤاخاته للإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، جد كثيرة، وأكبر من أن يقف في سبيلها قول قائل - كما رأينا من قبل - فلقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرتين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعلي، في كل واحدة منها: أنت أخي في الدنيا والآخرة (2).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أخوة النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام علي بن أبي طالب، إنما تمتاز عن غيرها، من أخوة الإيمان العامة، التي كانت بين أفراد المهاجرين قبل الهجرة، بما كان للإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - من منزلة خاصة عند النبي صلى الله عليه وسلم، دون الناس جميعا، اقتضتها