الكريم، وتلك الأخوة التي تجمع بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رحاب الله، وفي دين الله، وعلى طريق الدعوة إلى الله.
وفي الواقع أن الإمام علي، لو سكت عن التحدث بهذا الفضل، ومباهاة الناس بتلك الأخوة، وإلفاتهم إليها، لما سكت الناس، ذلك لأن دلالتها لا تخفى على أحد، وكان مما تنطوي عليه من نفحات النبوة، أقوى من أن يحول بينها وبين أن تشم في أعطاف الإمام علي، وما يعرض للنفوس الحاقدة من علل، وما يصيب القلوب الكارهة من مرض.
على أن هناك فرقا بين هذه الأخوة، وقرابة الإمام علي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في النسب فهما أبناء عم، كان مرباهما معا إلى أبي طالب، العم البار الرحيم، الذي قام من النبي صلى الله عليه وسلم مقام الأب، عطفا وحنوا، حتى كان لابنه علي أشبه بالعم، إذ استأثر النبي صلى الله عليه وسلم، بأبوته، كما استأثر النبي صلى الله عليه وسلم، بعلي دونه في رعايته وتنشئته، والنظر في أمره كله، فهذه القرابة التي جمعت بين النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي، كان من شأنها أن تجعل من ابني العم أخوين، نسبا وقرابة، ودون أن يكون لفارق السن بينهما حساب في تقرير هذه الأخوة، فقد كان بين الإمام علي وبين بعض إخوته من أبيه وأمه، أكثر مما بينه وبين ابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم، من فارق السن.
وعند أكثر الذين تلقوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي: (أنت أخي ترثني وأرثك)، قد وقع في نفوسهم أن هذه الأخوة، إنما هي أخوة قرابة ونسب، إن لم تكن على سبيل الحقيقة، فعلى سبيل المجاز.
غير أن المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي، غير قرابة النسب، والقرابة القريبة، فقد ظلت هذه الأخوة قائمة، حتى بعد أن نسخت آيات المواريث ما كان يترتب عليها من ميراث الأخ لأخيه، بدليل حديث المنزلة الصحيح المشهور (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)، وهو في غزوة تبوك، سنة تسع من الهجرة، وهي كذلك باقية، إذا لم يكن من ورائها قرابة ونسب.