على أن قرابة المؤاخاة لا يستقيم أمرها، إلا إذا كان بين ابن العم مشاركة ومقاربة في الصفات النفسية والروحية، وفي كل ما تحتاج إليه الدعوة الجديدة من قوى في الرجل الذي يحمل رسالتها، وفي الرجال الذين يشدون من أزره في الحفاظ عليها، وفي إبلاغها للناس، وقد كان ذلك كله، فإذا اجتمع لذلك قرابة مدانية، كان ذلك مما يدعم تلك المنزلة، التي ينزلها الإمام علي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوثقها ويزيدها قربا إلى قرب، وقد كانت قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبني هاشم، قوة له في وجه أعدائه الذين أنكروا دعوته فيهم، ومقامه بينهم، كان ذلك كذلك، وكثير من بني هاشم على ما كانت عليه قريش، بل إن بعضا منهم دخل معه في دين الله أول الأمر، استجابة لعاطفة تلك القرابة، من غير نظر إلى هذا الدين، وما يحمل للناس من خير وهدى ورحمة.
وقد ظلت هذه الأخوة، أو المؤاخاة عاملة بين النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام علي، تعطي آثارها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في كل موقف يحتاج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن يلقاه بنفسه، أو بمن يراه في منزلة نفسه، كما في أحداث ليلة الهجرة، وسورة براءة، وغزوة تبوك، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) (1).
وهل بعد هذا دليل على أن الإمام علي بن أبي طالب إنما كان أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
11 - قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عني إلا أنا أو علي:
روى الترمذي في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا، إلا رجل من أهلي، فدعا عليا، فأعطاه إياه (2).