ألا يذكرنا ذلك بما كان من قريش للإمام علي، وإرهاقها له، وتجنيها عليه، بعد أن دخلت الإسلام، حيث لم ير الإمام علي من قريش، إلا حقدا عليه، وكيدا له، وإزورارا عنه، وقد يقول قائل: إن الإسلام قد ذهب بسخائم النفوس، غير أن ما فعله الإمام علي ليلة الهجرة، وما فعله بأبطال قريش وصناديدها في حروب الإسلام - وخاصة في بدر وأحد والخندق - أكبر من أن تنساه كل النفوس.
ثم هناك أمر آخر: إن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتركه في مكة قلوبا مضطغنة عليه، متحرقة إلى ضره وأذاه، ثم استقباله في المدينة قلوبا فياضة بالبشر، عامرة بالحب، وفي نفس الوقت، يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام علي، في مجتمع مكة المضطرب، ومع جماعة حانقة مبغضة، يعيش معها أياما، ثم يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره الجديد، ثم يمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ربه، ويلحق بالرفيق الأعلى، وينتقل من دار إلى دار خير منها، أشبه بانتقاله من مكة إلى المدينة، يترك عليا وراءه يصطدم بالأحداث، يكابد الشدائد، حتى يلحق بالنبي في الرفيق الأعلى، كما لحق به في مهاجره من قبل.
ألا يبدو لنا من هذا الموقف ما نستشف منه أن للإمام علي بن أبي طالب، شأنا في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودورا في دعوة الإسلام، ليس لأحد غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
21 - زواج الإمام علي من السيدة فاطمة الزهراء:
روى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: خطب أبو بكر وعمر - يعني فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي، فقلت: ما لي من شئ إلا درعي أرهنها، فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطمة، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ما لك تبكين يا فاطمة، فوالله، فقد