للمهاجرين، بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء، واحتمال الأعباء، والإيثار على النفس مع الحاجة، فلقد بلغ الأنصار في كل هذا قمة علية لم تشهد لها البشرية من قبل نظيرا.
ويصور القرآن الكريم ذلك كله في قول الله تعالى: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم * يحبون من هاجر إليهم * ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا * ويؤثرون على أنفسهم * ولو كان بهم خصاصة * ومن يوقن شح نفسه * فأولئك هم المفلحون) (1)، وقد قدر المهاجرون هذا البذل الخالص، فما استغلوه، ما نالوا منه، إلا بقدر ما يتوجهون إلى العمل الحر الشريف.
هذا وقد اختلفت الروايات في ابتداء المؤاخاة، فذهب قوم إلى أنها إنما كانت إبان بناء النبي صلى الله عليه وسلم، لمسجده الشريف، وذهب آخرون إلى أنها بعد الهجرة بخمسة أشهر أو تسعة، على أن هناك وجها ثالثا للنظر يذهب أصحابه إلى أنها كانت قبل بدر بسنة وثلاثة أشهر، وعند ابن سعد (في شرف المصطفى) أنها كانت في المسجد هذا وقد ظلت عقود الإخاء مقدمة على حقوق القرابة من توارث التركات، فكان إذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري، وإذا مات الأنصاري ورثه أخوه المهاجر، فلما كانت (غزوة بدر) (في صباح يوم الجمعة 17 رمضان عام 2 ه = 17 مارس 624 م)، وعز شأن الإسلام، نزلت آية الأنفال (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله * إن الله بكل شئ عليم) (2)، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه، وورثه ذو رحمه.
ويروي البخاري في صحيحه (3) بسنده عن ابن عباس في تفسير آية النساء