وشائج الأسرة، التي تدل على أحد أفرادها، ولهذا خلفه بعده في الهجرة ليرد ودائع الناس التي كانت عنده صلى الله عليه وسلم، لأهلها، وأنامه على فراشه، وأمره أن يتسجى ببرده، ليرى أعداؤه المتربصون به، أنه صلى الله عليه وسلم، نائم في فراشه - والأمر كذلك في بلاغ براءة، كما سنبينه في مكانه من هذه الدراسة.
ولعل مما يؤيد ذلك قول ابن عبد البر في الإستيعاب: ولم يتخلف علي عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ قدم المدينة، إلا تبوك، فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك، وقال له في الحديث الصحيح: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وفي رواية (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) (1).
ولا ريب في أن هذا كله، إنما يدل على أخوة خاصة، أرفع درجات من الأخوة الإيمانية العامة، أغنت الإمام عن أن يدخل في المؤاخاة العامة التي كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم، ينميها بكل وسيلة، وكما قال ابن عبد البر وابن الأثير: إن النبي صلى الله عليه وسلم، آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كل واحدة منهما لعلي، رضي الله عنه، (أنت أخي في الدنيا والآخرة)، وآخى بينه وبين نفسه (2).
وهكذا، ولحكمة أرادها الله، كرر النبي صلى الله عليه وسلم، قوله لعلي، رضي الله عنه:
(أنت أخي في الدنيا والآخرة)، مرة في عقدة أخوة المهاجرين بعضهم مع بعض، ومرة في عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، وقال ابن عبد البر: وقد روينا من وجوه، عن علي رضي الله عنه، أنه كان يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلا كذاب) (3).