ثم إن (ابن القيم) نفسه، وفي نفس كتابه (زاد المعاد)، الذي أنكر فيه المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، إنما يثبت - عند الكلام على عمرة القضية - هذه المؤاخاة، فيقول - مشيدا بالمؤاخاة بين المهاجرين في مكة - وقول زيد (ابنة أخي)، يريد الإخاء الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه (أي زيد) وبين حمزة، لما آخى بين المهاجرين، فإنه آخى بين أصحابه مرتين، فآخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض قبل الهجرة على الحق والمساواة، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وفي المرة الثانية آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك بعد مقدمه المدينة (1).
وأما (ابن كثير) فربما كان أقرب إلى الموافقة على مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي، أكثر منه رفضا لها، فيقول: أما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي، فإن من العلماء من ينكرها، ويمنع صحتها، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم مع بعض، وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، لأحد منهم، ولمهاجري آخر، كما ذكر من مؤاخاة حمزة وزيد بن ثابت، اللهم إلا أن يكون صلى الله عليه وسلم، لم يجعل مصلحة علي إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من صغره، في حياة أبيه أبي طالب، وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة، فأخذه بهذا الاعتبار (2).
هذا وقد عرض شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام (577 - 660 ه / 1181 - 1262 م) لقضية المؤاخاة بما يشعر بأنه لا مانع من وقوع