الأمين الحبيب " (4 / 9). ولذلك احتفظ به بولس عنده، ولكن هذه الحالة قد تصبح حرجة إذا طالت، فقد يستاء فيلمون من قلة لباقة بولس، وقد أدخل في خدمته العبد الآبق، من غير أن يحصل على موافقة فيلمون، لا بل من غير أن يخبره بالأمر. وبولس من جهة أخرى، إذ يحتفظ بمن هرب، يجعل من نفسه شريكا في مخالفة كبرى للحق الخاص. وآخر الأمر أن أونيسمس نفسه يتعرض لأن يلاحق ويسجن قبل أن يرد عنوة إلى سيده الذي يحق له أن ينزل به عقابا شديدا. ذلك ما جعل بولس يعزم على إعادة أونيسمس إلى سيده. ومع ذلك، فإنه لم يكتف بإعادته، بل أرسل في الوقت عينه إلى فيلمون هذه البطاقة التي فيها سأله أن يقبل عبده لا قبوله " لأخ حبيب " فحسب (الآية 16)، بل كأنه يقبل بولس نفسه (الآية 17). لم يسأله صراحة أن يعتق أونيسمس، ولكنه لم يشك أن فيلمون سيفعل أكثر مما طلب منه (الآية 21). فلفيلمون أن يفهم ما يتضمن هذا " الأكثر ".
على كل حال، فإن بولس يعرب بكل الصراحة اللازمة عن توقعه إعادة أونيسمس إليه بعدما يعتق من أجل خدمة الإنجيل.
[الفائدة التعليمية] استغرب بعض الناس أحيانا أن تدخل في قانون الأسفار المقدسة مثل هذه الرسالة الخاصة، وطابعها العقائدي قليل إلى مثل هذا الحد. ولكن ألا يكون أن الكنيسة حفظت هذه البطاقة لأنها سمعت منها شيئا ما عن الموقف المسيحي من الرق لم تجده في مكان آخر؟ يبدو هذا الافتراض معقولا على أقل تقدير.
لا شك أنه لا يحسن تحويل تفسير هذه الرسالة القصيرة إلى بحث في الرق في نظر الإنجيل. فإن بولس، لما كتبها، لم ينظر إلا في قضية فرد خاصة. ولكن لربما لأن القضية هنا هي قضية خاصة، آل به الأمر إلى أن يقول لنا، في العلاقات بين السيد والعبد، أكثر مما ورد في رسائله الأكثر كلاما على أمور العقيدة.
إن مختلف الفقرات من رسائله، التي طرق فيها مسألة العلاقات بين الأسياد والعبيد، قد تبدو قليلة الجرأة (1 قور 7 / 20 - 24 واف 6 / 5 - 9 وقول 3 / 22 - 4 / 1). أجل، إن العبد في العالم القديم، عندما يسمع هذه الآيات القليلة، يجد فيها إعلانا كثيرا لكرامته الإنسانية، ولكن بولس لا يتناول نظام الرق في جذوره ليزعزعه. أجل، إن بولس يؤكد أيضا بجرأة أن جميع الحواجز قد أبطلت في المسيح، فلم يبق " عبد ولا حر " (غل 3 / 28)، لا بل كان له أن يكتب إلى مسيحيي رومة من أسياد وعبيد: " ليحب بعضكم بعضا حبا أخويا " (روم 12 / 10). ولكنه، إذا أكد أن جميع المؤمنين " أمام الله " و " في المسيح " وفي داخل الجماعة الأخوية، ولا سيما في الاجتماعات الطقسية، متساوون وإخوة، فلا يبدو أنه استخلص أي نتيجة كانت في الميدان الخارجي الشرعي، ميدان الحياة المدنية.
لا شك أن بولس يميز ميدانين: " أمام الله " و " أمام الناس ". ولكن الرسالة إلى فيلمون تنبذ التفسير الثنائي المحض الذي فسر به تفكيره. فإذا كان بولس لم يطالب في أي كلام ورد عنده بأنه يجب