[صحة الرسائل الرعائية] تؤكد الكنائس المسيحية أن الرسائل الرعائية قانونية، أي إن الجماعة المسيحية، يرشدها روح يسوع، ترى في هذه الرسائل كلمة الله. ولكن مسألة صحتها تبقى على بساط البحث. أترى بولس هو الذي أنشأها؟ والحقيقة هي أنه إذا كان هناك تردد كبير، كما أوضحنا آنفا، في تاريخ تأليفها، فالأمر يعود إلى أن هذا التاريخ مرتبط بمسألة صحتها. فأسباب هذا التردد كثيرة.
هذه، أول الأمر، أدلة النقد الخارجي. إنها في رأي بعضهم ترجح صحة الرسائل ترجيحا كبيرا. فقد يكون أن أقليمنضس الروماني وبوليكربس الأزميري وأغناطيوس الأنطاكي عرفوا الرسائل الرعائية واستشهدوا بها. ويعني هذا أن تقليد كنائس رومة وأزمير وأنطاكية كان يعدها قانونية. إن قانون موراتوري، الذي وضع في نحو السنة 180، أدرجها في مجموعة مؤلفات بولس. لقد استشهد بها أقليمنضس الإسكندري أكثر من أربعين مرة، ونسب أيريناوس صراحة إلى بولس الشواهد التي اقتبسها من الرسائل الرعائية. هذا يعني أن تلك الرسائل عرفت ونسبت إلى بولس وعدت قانونية في النصف الثاني من القرن الثاني، شأنها شأن الرسائل العشر الأخرى.
لربما في هذا الاستنتاج تسرع. مهما يكن من أمر، فإن الحجة المأخوذة من وجوه الشبه بين الرسائل الرعائية ورسائل أغناطيوس وبوليكربس تفقد كثيرا من شأنها، إذا افترض أن جميع هذه المؤلفات منوطة بتقليد مشترك سبق الرسائل الرعائية. أما شهادة قانون موراتوري، فيمكن نقضها بشهادة قانون مرقيون الذي لم يقبل الرسائل الرعائية في قانونه في نحو نصف القرن الثاني، علما بأن ما ورد في هذه الرسائل من نبذ للبدع وثناء على العهد القديم كان من شأنه، لا محالة، أن يسئ إلى ذلك المبتدع الذي كان ينبذ العهد القديم برمته.
إن الحالة من جهة النقد الداخلي هي بمثل هذا الغموض. فهناك أولا مشكلة تقوم على عدم تجانس الألفاظ، فإن 305 كلمات من أصل مجموع الكلمات ال 902 المستعملة في الرسائل الرعائية لم ترد قط عند بولس، وهناك 175 كلمة لم ترد في سفر من أسفار العهد الجديد. هذا القدر كبير، فماذا نستنتج من ذلك؟
لا يحسن أن يبالغ في تقدير قيمة هذا الحساب. ففي الألفاظ التي لا ترد إلا في الرسائل الرعائية ما ليس له مغزى خاص كمعدة (1 طيم 5 / 23) وجدة (2 طيم 1 / 5) وصحف رق (2 طيم 4 / 13) أو عبارات مقتبسة من اللاتينية، مثل " نحيا حياة " (1 طيم 2 / 2) " ومجرم " (2 طيم 2 / 93)، فإنها تعود إلى الإقامة في رومة. ولا بد من ذكر كلمات من الكتاب المقدس مستعملة في ترجمة العهد القديم اليونانية، فقد كانت تتوارد عفوا على قلم الذين كانوا يألفون الترجمة اليونانية للعهد القديم.
يبقى تفسير وجود الألفاظ التي لم ترد إلا في الرسائل الرعائية، ولوجودها هذا مغزى خاص، فقد يعود إلى الموضوع المطروق وإلى الكاتب على حد سواء.
إن الموضوع المطروق هو موضوع خاص: كيف توجه الكنيسة، وهي بيت الله؟ لم ينظر بولس قط في هذا الموضوع بمثل هذا التبسط. فجدة الحالة أدت إلى تجديد الألفاظ. لقد أحصيت 50 كلمة لم ترد إلا في الرسائل الرعائية وتتناول مذاهب الضلال، و 29 كلمة تتناول خصال خدم