وقد شجعت الدول الأوروبية الكبرى على ظهور القومية العربية في صورتها العلمانية لتحقيق مطامعها في احتلال الشرق الاسلامي.
وخاصة بريطانيا وفرنسا، يثول (لورانس) منفذ سياسة بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى (وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي الحج، وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية، وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أصح: هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا بمثلها الأعلى الديني مثلها الأعلى الوطني هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق) (1).
ومعلوم أن الثورة العربية على الأتراك قامت بتأييد بريطانيا ودعمها الأدبي والمادي، ودعم حليفتها فرنسا، وقد ثبت أن عددا من الزعماء كانوا متصلين بالقنصليات الأجنبية لتلقي هذا الدعم.
وينبه (جب) الأوروبيين إلى أن العالم الاسلامي المترامي الأطراف يحيط بأوروبا إحاطة محكمة تعزلها عن العالم، ويشير إلى أن وحدة الحضارة الاسلامية تمحو من الأذهان حيثما حلت كل ما يتصل بالتاريخ القومي لتحل محله الاعتزاز بالتاريخ الاسلامي والتقاليد الاسلامية.
وحيث يتحدث عن الحركات القومية التي أيدتها دعايات الحلفاء القومية أثناء الحرب العالمية الأولى ينبه إلى أن هذا النصر التي حققته الاتجاهات القومية في الشرق الاسلامي يجب أن لا يصرف الغرب عن الانتباه إلى تيار المعارضة الاسلامية الخفي، الذي يعارض في تفتيت الوحدة الاسلامية إلى قوميات علمانية، مبينا أن هذه المعارضة الاسلامية هي أشد قوة في البلاد العربية.
ويقول (جب) في صراحة تامة: (وقد كان من أهم مظاهر فرنجة العالم الاسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن. فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر وأندونيسيا والعراق وفارس، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوروبا، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها (2).