فعندما بدأ المسلمون في هذا الزمان يتغنون بالعنصرية والوطنية في كل قطر من أقطارهم متأثرين بالأوربيين صار العربي يتغنى بعروبته، والمصري ينتسب إلى الفراعنة، والتركي يتيه إعجابا بتركيته ويحاول أن يصل نسبه بهولاكو وجنكيز، والفارسي يقول لشدة انفعاله بنعرته القومية أنه لم يكن من تأثير (الإمبراطورية العربية) إلا أن صار علي والحسن والحسين رضي الله عنهم - أبطاله وإلا لكان رستم واسفندار وأنوشروان أحق أن يكونوا أبطاله القوميين في حقيقة الأمر وقد بدأ ينشأ في الهند مسلمون يفخرون بالانتساب إلى القومية الهندية، بل فيهم من يريدون أن ينقطعوا عن ماء زمزم ويتصلوا بماء نهر جنجا، وفيهم من تبعثهم أهواؤهم على اتخاذ (بهيم) و (أرجن) و (رام ها) أبطال الهندوس القدماء أبطالهم القوميين وليس هذا كله من هؤلاء السفهاء الراكبين رؤوسهم إلا لأنهم ما عرفوا ما يملكون من الحضارة وما يملكه الغرب وما تبينوا ما بينهما من الفرق الجذري، لأن عيونهم كليلة عن المبادئ والحقائق فلا ينظرون إلا إلى السطح، ويبهر عقولهم ما يجدونه بارزا عليه من الفقاقيع والألوان الظاهرة ولا يعلمون أن الشئ الذي هو ماء الحياة للقومية هو نفسه، السم الزعاف للرابطة الاسلامية (1).
إن بطلان الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات مما هو معلوم من رين الاسلام بالضرورة، لأنها منكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للاسلام وأهله، وذلك من وجوه أربعة:
أولا: لأنها تفرق بين المسلمين وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي بل تفرق بين العرب أنفسهم وتقسمهم أحزابا، فهي بذلك تخالف مقاصد الاسلام الذي يدعو إلى الاجتماع والوئام قال تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
ثانيا: لأنها من أمر الجاهلية فهي تدعو إلى غير الاسلام، وكل ما خرج عن دعوة الاسلام والقرآن من نسب وبلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، كما يقول الشيخ ابن تيمية " رحمه الله " مستشهدا بقوله صلى الله عليه و (آله) وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) والنصوص في ذلك كثيرة منها ما رواه مسلم أن النبي صلى