وإذا عرفت هذا، عرفت أن من مكة إلى الجحفة لا يكون إلا دون المرحلتين الكاملتين، لأنهما اثنان وثمانين ميلا. وإذا عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة يوم خامس عشر من ذي الحجة فيوم ثامن عشر رابع أيام سفره، فعلم أنه بات ليلة ثامن عشر في الجحفة وصلى بها الظهر وخطب بعد الصلاة.
فيا للعجب ممن قصر نظره عن البحث، كيف يقدح فيما صح باتفاق الكل بأمر يرجع إلى المحسوس المشاهد. لقد نادى على نفسه بالبلاهة وسوء الظن وعدم الدراية.
ولا يقال: إنه باعتبار هذه الأزمنة لا يمكن.
لأنا نقول: إن أريد أسفار أهل الرفاهة والمترفين والمرضى والزمناء فلا اعتبار به. وإن أريد في أسفار العرب، ففي هذا الزمن يبلغ من مكة إلى المدينة على الركاب في أربع، وأهل المدينة يسافرون الحج في زماننا هذا يوم خامس أو رابع ذي الحجة، ويوافون عرفات. وأما أهل الرفاهة فلا اعتبار بهم. وقد كان - صلى الله عليه وسلم على نهج العرب، وقد كان بلغ في دخوله بمكة في تلك الحجة في سبعة أيام أو ثمانية على اختلاف الرواية.
وبالجملة فالتشكيك بهذا نوع من الهذيان، فقد عرفت بما قدمنا أن الحديث متواتر والأسفار تختلف وليس محالا عادة ولا عرفا. ثم حديث الموالاة قد ثبت باتفاق الفريقين، فلا يسمع هذا التشكيك من قائله، والله الموفق " (1).