والناس يقبلون منها ولا يلتفتون إلى متناقض كلامها ولا يسألونها من أين علمت قصد الناس وقصد أبيها أنهم اقتدوا بأبيها وأبوها بالنبي؟ ولم يقولوا لها أن مثل هذه الجماعة التي يكون الإمام فيها مأموما لإمام آخر غير مشروعة، على أن قصتها معارضة بما ورد من لزوم جلوس المأمومين إذا كان الإمام جالسا (1) وإذا كان أبو بكر مسمعا فهل هو بقي على صلاته أو أبطلها لإسماع الناس بصلاة النبي؟ فيه وجهان، والمراد بالإسماع ظاهرا هو إسماع تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الركوع ورفع الرأس عنه والهوي إلى السجود وعند رفع الرأس عنه كما هو المعتاد اليوم في الجماعات الكبيرة، فأبو بكر أول مسمع وأول مكبر في الإسلام.
ثم إن ما تدعيه عائشة من قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبا بكر رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه). ضعيف، إذ لم ينقل أحد أنه بكى في صلاته وعند مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفه ومرضه! والعجيب أنها تكذب نفسها وتقول: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحقا أنها كصواحب يوسف كما نقلتها نفسها فإنكن صواحب يوسف (2).
وللسيدة اختلاف آخر في كلامها فتارة تقول: إنه صلى الله عليه وسلم خرج بين عباس ورجل آخر، وأخرى تقول: ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر (3).
وتأويلات المتأولين لا تقل عن سذاجة الجهال في قبول هذه الأقاويل.