القبيلية ما تزال متحكمة في أعماق الأكثر، وقد رأيتم فيما سبق أن حادثة بسيطة كادت أن تثير حربا بين المهاجرين والأنصار بباعث من هذه النزعة، ومن هنا انطلق شعار " وسعوها في قريش تتسع " (1) وقد عكست هذا الواقع محاورة للخليفة عمر مع عبد الله بن عباس يذكرها ابن الأثير في جزئه الثاني، ويحسن أن نقف على ما يتصل منها بطبيعة موضوعنا.
يقول ابن عباس - من حديث فقال يعني عمر: " يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد (صلى الله عليه وآله):
فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أدر فأمير المؤمنين يدريني.
فقال: عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي بالكلام، وتمط عني الغضب تكلمت؟
قال: تكلم.
قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال * (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) * (1). (2)