إن الذي يبدو لي يا سيدي أن أسلافنا كانوا أوسع أفقا منا وأقرب إلى الموضوعية عندما حشدوا كل ما عثروا عليه من الأحاديث التي اطمأنوا إلى صدورها وتركوا للباحثين أمر تمحيصها، ولم يجعلوا رواسبهم مقياسا لما يروون وما يتركون، وكان محدثوا الشيعة والسنة سواء من هذه الناحية، فليس من الإنصاف أن نحمل الجميع مسؤولية رأي لم يصرحوا جميعا بتبنيه، وحجتنا في ذلك مجرد العثور على رواية في كتاب للسنة أو الشيعة تتعلق في الصحابة أو غيرهم ويستشم منها الطعن مثلا.
قال أحدهم: وقد وجه بنظرة عتاب إلى المعترض - لقد أبعدتنا عن صميم الموضوع، فالسؤال الذي سبق أن أثرناه حول موقف الصحابة من هذه النصوص ما يزال قائما، أترى أن الصحابة وفيهم مثل أبي بكر وعمر لم يدركوا هذا الواقع الذي أدركه الشيعة، وفهموه من هذه النصوص أم أدركوه وانحرفوا عنه جميعا.
قلت: إن الذي أدعيه - يا سيدي - إن الصحابة جميعا فهموه - كنص - بالمستوى الذي فهمه الشيعة، إلا أن موقفهم منه كان مختلفا جدا، وهم ينقسمون في هذا الأمر إلى أقسام ثلاثة، وليس في أحد هذه المواقف تشكيك بالنص.
القسم الأول: وهو الذي يشكل الأكثرية وقوامه مسلمة الفتح من قريش وبعض المنافقين الذين أشارت إليهم الآيات السالفة، كان للرواسب التي عرضها الدكتور أحمد أمين في حديثه السابق موقع كبير من نفوسهم، ومثل هؤلاء لا يسهل عليهم تقبل خلافة الإمام علي (عليه السلام) بالذات، لأمور عدة أهمها اعتقادهم أن الخلافة إذا دخلت هذا البيت فلن تخرج منه بعد ذلك، وفي هذا ما فيه من قتل لطموح من يرى لنفسه أهلية الحكم، وبخاصة من زعماء القبائل الذين كانوا ينفسون على هذا البيت مكانته الجديدة التي ارتفع رصيدها بالإسلام، والنزعة