إلى جميع أصحابه، لكونهم جميعا موصوفين بالعدالة (1) بالغين حد
(١) إن موضوع عدالة الصحابة من المواضيع الحساسة التي شغلت جانبا مهما من أبحاث علم الحديث والرجال، وقد ذهب جمهور أبناء العامة إلى أن جميع الصحابة عدول ولا ينبغي أن تنالهم يد الجرح والتعديل كما تنال غيرهم من المسلمين.
قال الغزالي في المستصفى: " والذي عليه السلف وجماهير الخلف أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه وهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به وذلك مما لم يثبت! فلا حاجة لهم إلى التعديل.. " (المستصفى ص ٢٠٤).
ومن السنة من يرى جواز جرحهم وتعديلهم كغيرهم من المسلمين ولا تؤثر الصحبة من ذلك مطلقا، ولكنهم لا يمثلون إلا أنفسهم في هذه العقيدة.
هذا وقد ذهب بعض المعتزلة إلى أن الصحبة كانت مؤثرة حتى وقوع الفتنة والخلاف بينهم وإراقة الدماء.
ومهما يكن من أمر فإن جمهور السنة يرون عدالة الصحابة بصورة مطلقة فهم لا يحتاجون إلى الجرح والتعديل.
هذا، ولكن من كان له أقل إلمام وتأمل في تاريخ حياة الرسول صلى الله عليه وآله والصحابة والآيات التي نزلت في بعضهم تؤكد نفاقهم أو ايذاءهم للرسول صلى الله عليه وآله أو تخلفهم عن أوامر الله تعالى، لا يبقى له أدنى شك في أنه كان في الصحابة من لا يشك في فسقه، كيف لا وقد صرح الذكر الحكيم بتفسيقه إذ قال تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (٦ الحجرات).
وقد صرح أيضا بأن منهم " الكاذبون " حيث قال تعالى: " لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة، وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون، عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " (٤١ - ٤٢ التوبة).
وقال أيضا حول بعضهم: " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني إلا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك سيئة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل، ويتولوا وهم فرحون " (٤٩ - ٥٠ التوبة).
وقال مخاطبا لبعضهم: " قل انفقوا طوعا أو كرها لن يقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين، وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون.. " (٥٣ - ٥٤ التوبة).
هذا قليل من كثير من الآيات التي نزلت حول بعض الصحابة فقلما تجد سورة لم يذكرهم الله تعالى بآية أو آيات، فهل من الإنصاف أن نترك هذه التصريحات القرآنية ونلتزم بعدالة جميع الصحابة؟!
وقد يقال: إن هذه الآيات نزلت في المنافقين!
عجبا فهل ميزتم المنافقين عن سائر الصحابة وأفردتموهم وعرفتموهم للناس كي لا يشتبه عليهم الأمر؟ فلماذا يقولون إذن: لا ينبغي أن تنالهم يد الجرح والتعديل؟
ولله در الأستاذ محمود أبو رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية ص ٣١٨ حيث قال: ".. ولو نفعت الصحبة نحو بشر بن مروان على فرض الثبوت أو الوليد لتبين لنا أن الصحبة لا يضر معها عمل غير الكفر فتكون الصحبة أعظم من الايمان، ويكون هذا أخص من مذهب مقاتل وأتباعه من المرجئة، ثم أين أحاديث " لا تدري ما ذا أحدثوا بعدك " وهي متواترة المعنى بل لو ادعى في بعضها تواتر اللفظ لساغ ذلك، والمدعون للسنة ادعوا الصحبة أو ثبوتها لمن لم يقض له بها دليل، وفرعوا عليها ما ترى ثم بنوا الدين على ذلك، ألم يقل الله " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " في رجل متيقن صحبته ولم تزل حاله مكشوفة مع الصحبة، ومنهم من شرب الخمر وما لا يحصى مما سكت عنه رعاية لحق النبي صلى الله عليه وآله ما لم يلجئ إليه ملجئ ديني فيجب ذكره. ومن أعظم الملجئات ترتيب شئ من الدين على رواية مروان والوليد وغيرهما فأيهما أعظم خيانة لدين الله ومخالفة لصريح الآية الكريمة والتقمه بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص، بل هو تزكية لهم فإياك والاغترار ".
وللتوسع في ذلك راجع كلا من: أضواء على السنة المحمدية للأستاذ محمود أبو رية ٣١٠، دراسات في الحديث والمحدثين للأستاذ هاشم معروف الحسيني 71.