فظهر أنه لم يقرر في دين الإسلام ولم يجعل من لوازمه التمذهب بمذهب خاص منسوب إلى شخص معين واحد أو إلى إحدى المذاهب الأربعة مخير بينها.
وأما بعد عصر الصحابة والتابعين وبعد القرنين تقريبا، فقد قال المقريزي ما لفظه:
" ولما مضى عصر الصحابة والتابعين صار الأمر إلى فقهاء الأمصار أبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريح بمكة، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان التيمي (1) وسوار بالبصرة، والأوزاعي بالشام، والليث بن سعد بمصر. فكان هؤلاء الفقهاء يأخذون عن التابعين وتابعيهم أو يجتهدون " (2).
أقول: أكثر هؤلاء الفقهاء القاطنين في الأمصار المذكورة، قد ترقى أمرهم تدريجيا حتى صاروا أئمة المذهب (3) وينتسب إليهم أتباعهم المنتحلون لمذهبهم، ولم يكن عنوان للمذهب قبل انتشار صيتهم في البلاد، ولم يكن ينتسب إليهم أحد من المسلمين أبدا.