وتوقف الفقهاء في هذا الدور عن كل حركة علمية، وأعرضوا عن النظر في الكتاب والسنة، ولبثوا يجترون بعض الكتب الفقهية القديمة، ولم يجدوا في شئ منها وأغرموا بجدل لا يجدي نفعا، وخلافات سطحية حول هذه الجملة أو تلك، وانكبوا يعلقون على هذا الرأي أو ذاك، أو يشرحون هذا المتن أو يحشون هذا الشرح أو يعلقون على هذه الحاشية أو يذيلون هذا التعليق، وهكذا أفرغوا جهدهم في مماحكات لفظية وأفنوا كثيرا من وقتهم في خصومات صاخبة لم تعد على الإسلام والمسلمين بأية فائدة (1).
الدور الرابع: فتح باب الاجتهاد من جديد وهو دور الدعوة إلى انفتاح باب الاجتهاد من جديد، وفي الواقع لا ينبغي أن نجعل هذا الدور دورا خاصا، لأن هناك من كان يدعو إلى فتح باب الاجتهاد والاعتراض على سده منذ القرون التي أعلن فيها انسداد بابه حتى يومنا هذا، أمثال أبي الفتح الشهرستاني المتوفى سنة 548 (2)، وأبي إسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790 (3) والسيوطي المتوفى سنة 911، وقد ألف السيوطي رسالة سماها " الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض "، وقدم لهذه الرسالة بقوله: " إن الناس قد غلب عليهم