إذا علمنا ذلك فنقول: إن المذهب الإمامي (الجعفري) لم يرفض الأحكام العقلية كليا بل يرفض الأحكام العقلية الناقصة فقط التي لم يقم عليها دليل قطعي، ولذلك أنكروا القياس والاستحسان، والشاهد على ذلك: أنهم حينما خاضوا المعركة التي أثيرت بين المعتزلة والأشاعرة في التحسين والتقبيح العقليين صاروا بجنب المعتزلة، وأكدوا على وجود الحسن والقبح العقليين، وإن هناك حقائق يعتبرها العقل حسنة وحقائق أخرى يعتبرها قبيحة.
وهذا الجانب هو الجانب المهم في الاجتهاد الشيعي، حيث جعله مرنا يساير الزمن من دون تحريف أو تشريع أحكام جدد لا تستند إلى أساس شرعي، ولذلك اعتبر العقل لدى الشيعة أحد أسس الاجتهاد.
الموجة الأخبارية:
وفي أبان القرن الحادي عشر للهجرة ظهرت محاولة جديدة لمنع تدخل العقل في استنباط الأحكام الشرعية، وكان الداعي لهذه المحاولة " الميرزا محمد أمين الاسترآبادي " الذي كان يعيش برهة من الزمن في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله، فألف فيها كتابه " الفوائد المدنية " وفيها حمل حملة شعواء على من استعمل العقل في استنباط الأحكام الشرعية، فهو وإن كان يصر على أن الوسيلة الوحيدة لفهم الأحكام الشرعية هي السنة فقط، لأن الكتاب الكريم لم يفهمه إلا من خوطب