التعليق: هذا الرجل لا زال في كل مرة يكشف لك عن ما ينضح من علم حتى يجبرك على أن تفتح ثغرك إما تعجبا مما يدعي من علم أو سخرية بالذين يقولون إن لديه ثمة علم!.
ففي هذا القول الذي يضحك المثكول من بسطاء أهل العلم يقف المرء مترددا في الحكم على صاحب هذا القول فإما أن يكون هذا الرجل لا يفقه ما يقول أو أنه يحاول التدليس بقوله على من لا يعرف معالم الفكر الأصولي وتفاصيله، فالفرق بين الاثنين من أوضح الواضحات فقاعدة التزاحم تشير إلى أن الإنسان لو ضاقت قدراته التكوينية عن امتثال تكليفين موجهين إليه في آن واحد كأداء الصلاة في ضيق الوقت وإنقاذ الغريق، والوضوء مع قلة الماء وإنقاذ العطشان وأمثالها عند ذلك فإنه يقدم الأهم من بين الحكمين على المهم، ويلحظ هنا أننا نتعامل في هذه القاعدة مع نصين قطعيين ودليلين ثابتين يدفعان باتجاه تحديد وجهة التكليف العملي فالتزاحم قد وقع بين دليلين لحكمين ثابتين ولكن قدرة التكليف العملية لا تتحمل إلا واحدا منهما، عندئذ فإن التكليف سيتعلق بأهم الحكمين.
أما المصالح المرسلة - وهي مما ترفضه الإمامية رفضا تاما - فهي تقوم على أساس حكم ظني بشري أساسه تصور مصلحة معينة، وهذا التصور هو حكم ظني لا يتعامل مع أي دليل قطعي. مما يفسح المجال واسعا أمام التشريع البشري الذي لا علاقة له بالتشريع الإلهي كي يحتل محل المشرع الإلهي. فأين هذا من ذاك رغم أن الفرق بينهما هو نفس الفرق بين الناقة والجمل؟.
ومعلوم أن المنهج الإمامي في الاستنباط يرفض هذه الطريقة لأن تصور المصالح هو أمر اعتباري قد لا يتفق عليه بين شخصين، فما تراه أنت مصلحة ليس بالضرورة أن يبدو لي كذلك، الأمر الذي يجعل الحكم الصادر وفق هذا المبدأ أسيرا للرأي الشخصي واعتباراته والذي مهما أحسنا الظن فيه فهو يبقى خاليا من أي حجية هذا من جهة التشريع أما من جهة الواقع فقد تغيب عن مشرع المصالح المرسلة أبسط المعطيات أو الحيثيات مما يجعله بلا مقياس موضوعي لإصدار الأحكام العملية، وهو بطبيعة الحال يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه لأهل الأغراض والأهواء بأن يعيثوا في الأرض فسادا ويأكلوا أموال