الاستثناء من النفي إثبات وأنه إذا حصلت قراءة الفاتحة في الصلاة ولو مرة واحدة وجب القول بصحتها بحكم الاستثناء.
والجواب: إن هذا الحديث غير ناظر - بحكم العرف - إلى حال الصلاة حين تكون مع الفاتحة ولا هو حاكم عليها - وهي في تلك الحال - بإيجاب ولا بسلب وإنما هو ناظر إليها حين تكون خالية من الفاتحة وحاكم عليها بأنها - وهي في تلك الحال - ليست بصلاة نظير قوله صلى الله عليه وآله: لا صلاة إلا بطهور اهتماما منه بالفاتحة وهي جزء الصلاة وبالطهور وهو شرطها، ونظائر هذا في الكلام كثير ألا ترى أنه لو قيل لا " سكنجبين " إلا بخل مثلا، لا يفهم أحد من ذلك أن مسمى الخل ولو قطرة أو دونها كاف أوليس بكاف وإنما يفهمون أن السكنجبين مركب وأن الخل من مهمات أجزائه فإذا انتفى الخل ينتفي السكنجبين.
على أنه لو تم استدلالهم بهذا الحديث على ما زعموا لا طردت دلالته على عدم وجوب شئ من أفعال الصلاة وأقوالها إذا حصلت فيها قراءة الفاتحة كما هو واضح لمن أمعن.
وقال الإمام أبو حنيفة وأصحابه: لا تفرض قراءة الفاتحة بخصوصها في صلاة ما وإنما يفرض في الصلوات مطلق القراءة واكتفى أبو حنيفة بقراءة أية آية من القرآن ولو كانت كلمة واحدة نحو " مدهامتان " لكن صاحبيه أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني إنما اكتفيا بثلاث آيات قصار نحو: " ثم نظر. ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر " أو بآية واحدة تعادل ثلاث آيات قصار أو تزيد عليها وعلى هذا عمل الحنفية (1).