يتولد مراتب العدد من الواحد على الترتيب، وما من شئ من الأشياء يوجد إلا وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وسبب سببه إلى أن ينتهي إليه تعالى.
فيكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية) (1).
فتحصل: ان العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء وجزئياتها من طريق نفس الأشياء يتغير ولا يفيد اليقين، وهذا العلم يتنزه عنه الأولياء فضلا عن آل محمد (عليهم السلام).
وان العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء وأسبابها - والذي يغني عن العلم بجزئياتها - وانه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمد (عليهم السلام).
وآثار هذا العلم إضافة إلى أنها شهودية لعين الواقع وصقع الأمر، أنه يؤهل العالم به أن يطلع على أسرار الكون والملكوت، ويعطيه الأهلية لقدرة التصرف فيه، منتظرا منح القدرة من الله العزيز المتعال.
قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي والإلهام والعلم الحاصل منهما: (والعلم الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري، وانما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى، الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم (عليه السلام).
وقد بين ان العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من النفس الكلية، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات، فمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام (كذا - والصحيح الوحي) ومن اشراق النفس الكلية يتولد الإلهام، فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء (2).