فإذا اشتغل الانسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها، وجد أمرا عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال) (1).
وقال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي (شرح الحديث العاشر):
(اعلم أن العلم بالأشياء الجزئية على وجهين:
أحدهما: ان يعلم الأشياء من الأشياء، بحس أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد، ومثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط، فإنه يلزم ان يعلم في زمان وجودها علما، وقبل وجودها علما آخر، ثم بعده علما آخر.
فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما، كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب بجواب فيقول مثلا: انكسفت الشمس، وإذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر فيقول: سيكون الكسوف، ثم إذا سئل بعده فيقول: قد كان الكسوف. فعلمه بشئ واحد تارة كان وتارة كائن وتارة سيكون، فيتغير علمه.
ومثل هذا العلم الانفعالي متغير فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغير أصلا.
وثانيهما: أن لا يعلم الأشياء من الأشياء، بل يعلم بمباديها وأسبابها، فيعلم أوائل الوجود وثوانيها، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيات، علما واحدا وعقلا بسيطا محيطا بكليات الأشياء، وجزئياتها على وجه عقلي غير متغير، فمن عرف المبدأ الأول بصفاته اللازمة وعرف انه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود عرف أوائل الموجودات عنه، وما يتولد عنها على الترتيب السببي والمسببي، كما