ماديتهم الموروثة من الدولة الرومانية واليونانية، المخزونة في تلك المجتمعات، والتي استمرت فيها حتى بعد دخولها رسميا في المسيحية.
أما أمريكا فثقافتها نسخة معمقة من الثقافة الأوربية المادية.
ومن الضروري هنا أن نعرف هنا أن المسيحية لم تدخل إلى أوروبا فاتحة ولا حاكمة، بل دخلت بقرار إمبراطوري بتأشيرة موظفة، مشروطا عليها شروط!
بعكس المادية الإغريقية التي دخلت إليهم سيدة وأثرت في ثقافتهم حتى أنك تلمس بصماتها في عمق مجتمعهم، بينما لا تجد أثرا للمسيحية إلا في مظهره.
مسكينة الديانة المسيحية، كم لاقت من مادية الأوروبيين!
إن فكرة أن الإنسان لا يمكن أن يكون متدينا إلا إذا اعتزل المجتمع! تعني قناعة الغربيين بأن حركة الحياة الاجتماعية نجسة، ويجب أن تبقى نجسة! وعلى من يريد الطهارة أن يعتزلها ويتركها لأهلها النجسين!
ولو كانت الذهنية الأوروبية بدائية كذهنية الشعوب الإفريقية والهندية، التي تسلك الاختيار البسيط، إما هذا أو ذاك، ولا تقبل التركيب بينهما، لقلنا إنهم يؤمنون بفكرة الاعتزال ولا يستوعبون التركيب بين حياتين للمجتمع متفاعلتين متناسقتين، إحداهما روحية والأخرى مادية. ولكن ذهنيتهم من أقدر الذهنيات في العالم على الجمع والتركيب، فتبنيهم التدين الاعتزالي، إنما هو قرار بعزل الدين وأهله، وليس إيمانا بالطهارة والرهبانية والاعتزال.
إنك لا تجد المسيحية في الغرب إلا في حالتين لا ثالثة لهما، إما محبوسة في الصوامع معتكفة تنفذ قرار العزل، وإما موظفة تخدم مدنية المادية الغربية!
فقد كان هذا شرط إمبراطور القبائل الأوروبية المادية وما زال، لدخول هذه النفحة الإلهية، والملاك القادم من فلسطين!