إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لأنه عبث، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله تعالى ويمتنع لا يكون نبيا كليما.
وأجيب عنه بوجوه: الأول: ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالما بامتناعها، وهذا أظهر الوجوه واختاره السيد الأجل المرتضى في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد، وأيده بوجوه:
منها، حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله تعالى: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. وقوله تعالى:
وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون.
ومنها، أن موسى عليه السلام أضاف ذلك إلى السفهاء، قال الله تعالى: فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا. وإضافة ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.
فإن قيل: فلم أضاف السؤال إلى نفسه ووقع الجواب مختصا به.
قلنا: لا يمتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه، مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس، فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه: أسألك أن تفعل بي كذا وتجيبني إلى ذلك، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد أجبتك وشفعتك، وما جرى مجرى ذلك، على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب.
وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير، فأي جرم كان لموسى حتى تاب منه؟
فأجاب رحمه الله بحمل التوبة على معناها اللغوي أي الرجوع، أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم السؤال.