فلما تجلى ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل، فجعله دكا وخر موسى صعقا، من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدبا أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله.
على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل.
وقوله: وأنا أول المؤمنين، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا ترى.
والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم....
ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علما يقينيا، كقوله عز وجل: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل. وقوله: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، وقوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت: وقوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.
وأما قول الله عز وجل: فلما تجلى ربه للجبل، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل