ومنها، قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.
ومنها، هذا الاسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.
وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصا وظاهرا ومنطوقا ومفهوما، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والانكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد على ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلا، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى، هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلى، خذ الغايات ودع المبادئ أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعا بصيرا أن المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلا إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق، وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضا لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لا نزاع للنافين في جواز الانكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا على سبيل الاكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالى.