قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجا للغم.
فالتفت علي عليه السلام إلى كعب فقال:
غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خلق الإنسان علمه البيان) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدرا على ما يشاء محيطا بكل الأشياء، ثم كون ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نورا ابتدعه من غير شئ، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديرا أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم خلق من الظلمة نورا وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعدا ولا يزال مرتعدا إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم.
يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه، فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن. انتهى.
وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسميا في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا علي عليه السلام وقد قبل الخليفة تنزيه