والمجد لا يفضحه الدمار فأتى عليه رجل وهو جريح رأسه على آخر. فقال: ما لك يا حكيم؟ قال: قتلت.
قال من قتلك؟ قال وسادتي. فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم، وإنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول: إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار. اللهم إنهما لم يريدا عثمان.
لقد أبدى حكيم منتهى الشجاعة في الدفاع عن علي رضي الله عنه، وخاف أن يموت بجراحه قبل أن يقول كلمته، وقد اعتبر طلحة والزبير مخالفين ومفرقين.
فنادى مناد: يا خبيث جزعت حين عضك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة، وأصببتم من الدماء، ونلتم من الدنيا، فذق وبال الله عز وجل وانتقامه.
وحكيم بن جبلة هذا كان رجلا صالحا في قومه وهو الذي بعثه عثمان على السند فنزلها، ثم قدم عليه فسأله عنها فقال: ماؤها وشل (قليل) ولصها بطل، وسهلها جبل، إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان رضي الله عنه أحدا حتى قتل، قيل قتله يزيد بن الأسحم الحراني. قيل ليس يعرف في جاهلية ولا إسلام رجل فعل مثل فعله.
قتلى الموقعة:
قتل حكيم وذريح ومن معه، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجئوا إلى قومهم، ونادى منادي طلحة والزبير بالبصرة: ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم، فجئ بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا، فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير، ثم كتب طلحة والزبير إلى أهل الشام بما تم، وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان بهم، وأمرتهم أن يثبطوا الناس عن علي، وحثتهم على طلب قتلة عثمان، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما