النصر بالجور! لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم. ثم سكت طويلا واجما ثم قال: الأمر أسرع من ذلك، قالها ثلاثا.
وقد مال الناس إلى معاوية لأنه كان يبذل كل مطلوب، ويسمح بكل مأمول، ويطعم خراج مصر عمرو بن العاص، ويضمن لذي الكلاع وحبيب بن مسلمة ما يوفي على الرجاء والاقتراح، وعلي عليه السلام لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضية الشريعة وحكم الملة، حتى يقول خالد بن معمر السدوسي لعلياء بن الهيثم، وهو يحمله على مفارقة علي عليه السلام، واللحاق بمعاوية: اتق الله يا علياء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا يؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما، فأبى وغضب فلم يفعل.
إن شدة الإمام علي رضي الله عنه في السياسة المالية، مبتدئا بتطبيقها على نفسه وأهله نابعة مما عرف عنه من زهد في الدنيا حتى قال عنه عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب، ومن تمسكه الشديد بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من أدرى الناس بأن الرسول عليه السلام كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، وأنه مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة لم يبت قط في ملكة دينار، ولا درهم، وكان يأكل على الأرض ما وجد، ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه، وأنه كان يقول اللهم احشرني في زمرة الفقراء.
فمنذ بداية حياته كان فقيرا حتى قال نساء المدينة لفاطمة رضي الله عنها: زوجك أبوك فقيرا لا مال له، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم، أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأفضلهم حلما؟ قالت: بلى، رضيت يا رسول الله، ولما أصبح يملك بعد الفتوحات ما لا بينبع تصدق به، فقد قال رضي الله عنه:
رأيتني وأنا رابط الحجر على بطني من الجوع، وأن صدقتي لتبلغ في اليوم أربعة