ثم أوليس من ضرورات البشر، منذ عرف الانسان نفسه، وأدرك حسه، ومن المهن التي لا ينفك عن مزاولتها، والاندفاع إليها بدواع شتى وأغراض مختلفة هو السفر والتغرب عن الأوطان، بداعي التجارة والكسب، في طلب علم أو مال، أو سياحة أو ملاحة، أو غير ذلك من جهاد وحروب وغزوات ونحوها؟
ثم أوليس الغالب في أولئك المسافرين لتلك الأغراض هم الشبان، وما يقاربهم من أصحاء الأبدان، وأقوياء الأجساد، الراتعين بنعيم الصحة والعافية؟
ثم أليس الصانع الحكيم بباهر حكمته، وقاهر قدرته قد أودع في هذا الهيكل الانساني غريزة الشهوة، وشدة الشوق والشبق إلى الأزواج، لحكمة سامية، وغاية شريفة، وهي بقاء النسل، وحفض النوع، ولو خلي من تلك الغريزة، وبلت أو ضعفت فيه تلك الجبلة لم يبق للبشر على مر الأحقاب عين ولا أثر.
ومن المعلوم أن حالة المسافرين المقوين لا تساعد على القران الباقي، والزواج الدائم، لما له غالبا من التبعات واللوازم، التي لا تتمشى مع حالة المسافر، فإذا امتنع هذا النحو من الزواج حسب مجاري العادات، وعلى الغالب والمتعارف من أمر الناس، وملك اليمين، والتسري بالإماء والجواري المملوكة بأحد الأسباب، قد بطل اليوم بتاتا، وكان متعذرا أو متعسرا من ذي قبل، فالمسافر لا سيما من تطول أسفارهم في طلب علم أو تجارة، أو جهاد أو مرابطة ثغر، وهم في ميعة الشباب وريعان العمر، وتأجج سعير الشهوة، لا يخلو حالهم من أمرين: إما الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة التي تنجر إلى الوقوع في أمراض مزمنة، وعلل مهلكة، مضافا إلى ما فيه من قطع النسل، وتضييع ذراري الحياة المودعة فيهم، وفي