الاتحاد سجايا وصفات، وأعمال وملكات، ملكات راسخة، وأخلاق فاضلة، وحقائق راهنة، ونفوس متضامنة، وسجايا شريفة، وعواطف كريمة.
الاتحاد أن يتبادل المسلمون المنافع، ويشتركوا في الفوائد، ويأخذوا بموازين القسط، وقوانين العدل، ونواميس النصف. فإذا كان في قطر من الأقطار كسوريا والعراق طائفتان من المسلمين أو أكثر فالواجب أن يفترضوا جميعا أنفسهم كأخوين شقيقين قد ورثا من أبيهما دارا أو عقارا فهم يقتسمونه عدلا، ويوزعونه قسطا، ولا يستأثر فريق على آخر فيستبد عليه بحظه، ويشح عليه بحقه [ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون] (1) فتكون المنافع عامة، والمصالح في الكل مشاعة، والأعمال على الجميع موزعة.
وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت، ويتغلب عليه فيسكت. ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق، أو دعا إلى عدل: إنك مفرق أو مشاغب، بل ينظر الآخرون إلى طلبه، فإن كان حقا نصروه، وإن كان حيفا أرشدوه وأقنعوه، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن، مجادلة الحميم لحميمه، والشقيق لشقيقه، لا بالشتائم والسباب، والمنابزة بالألقاب، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معا حطبا ويصبحا معا للأجنبي لقمة سائغة، وغنيمة باردة.
وقد عرف اليوم حتى الأبكم والأصم من المسلمين أن لكل قطر من الأقطار الاسلامية حوتا من حيتان الغرب، وأفعى من أفاعي الاستعمار فاغرا فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه.. أفلا يكفي هذا جامعا للمسلمين، ومؤججا لنار الغيرة والحماس في عزائمهم، أفلا تكون شدة تلك الآلام وآلام تلك الشدة باعثة لهم على الاتحاد وإماتة ما بينهم من الأضغان والأحقاد،