لا نزال نحن معاشر المسلمين بالنظر العام نتعلق بحبال الآمال، ونكتفي بالأقوال عن الأعمال، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر، دون الحقائق والجواهر، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللب، على العكس مما كان عليه أسلافنا، أهل الجد والنشاط، أهل الصدق في العمل قبل القول، وفي العزائم قبل الحديث، وتلك السجايا الجبارة التي أخذها عنهم الأغيار فسبقونا، وكان السبق لنا، وكانت لنا الدائرة عليهم فأصبحت علينا تلك [سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا] (1).
نحن نحسب أننا إذا قلنا: قد اتحدنا واتفقنا، وملأنا بتلك الكلمات لهواتنا وأشداقنا، وشحنا بها صحفنا وأوراقنا، نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد، ونكون كأمة من الأمم الحية التي نالت بوحدتها عزها وشرفها، وأخذت المستوى الذي يحق لها. ولذلك تجدنا لا نزداد إلا هبوطا، ولا تنال مساعينا إلا إخفاقا وحبوطا، لا تجد لأقوالنا وأعمالنا أثرا، إلا أننا نأنس بها ساعة سماعنا لها وما هي بعد ذلك إلا [كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا] (2).
ويستحيل لو بقي المسلمون على هذا الحال أن تقوم لهم قائمة، أو تجتمع لهم كلمة، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة، ولو ملئوا الصحف والطوامير، وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة، وكل ما يشتق منها ويرادفها، بل ولو صاغوا سبائك الخطب منها بأساليب البلاغة، ونظموا فيها عقود جواهر الابداع والبراعة، كل ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدي، والحركة الجوهرية، ويحرروا