الاختلاف، والاختلاف يوجب الفرقة، والفرقة توجب الضعف، والضعف يوجب الذل، والذل يوجب زوال الدولة، وزاول النعمة، وهلاك الأمة..
والتأريخ يحدثنا، والعيان والوجدان يشهدان لنا شهادة حق: أنه حيث تكون تلك السخائم والمآثم، فهناك: فناء الأمم، وموت الهمم، وفشل العزائم، وتلاشي العناصر. هناك: الاستعباد والاستعمار، والهلكة والبوار، وتغلب الأجانب، وسيطرة العدو..
أما حيث تكون الآراء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب متآلفة، والأيدي مترادفة، والبصائر متناصرة، والعزائم متوازرة، فلا القلوب متضاغنة، ولا الصدور متشاحنة، ولا النفوس متدابرة، ولا الأيدي متخاذلة، فهناك: العز والبقاء، والعافية والنعماء، والقهر والقوة، والملك والثروة، والكرامة والسطوة، هناك يجعل الله لهم من مضائق البلاء فرجا، ومن حلقات السوء مخرجا، ويبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف. فيصبحوا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما.
وليعتبر المسلمون اليوم بحال آبائهم بالأمس، كيف كانوا قبل الاسلام إخوان وبر ودبر، وأبناء حل وترحال، أذل الأمم دارا، وأشقاهم قرارا، لا جناح دعوة يأوون إلى كنفها، ولا ظل وحدة يستظلون بفيئها، في أطواق بلاء، وإطباق جهل، من نيران حرب مشبوبة، وغارات مشنونة، إلى بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، ودماء مهدورة (1).