أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ١٢٠
الاختلاف، والاختلاف يوجب الفرقة، والفرقة توجب الضعف، والضعف يوجب الذل، والذل يوجب زوال الدولة، وزاول النعمة، وهلاك الأمة..
والتأريخ يحدثنا، والعيان والوجدان يشهدان لنا شهادة حق: أنه حيث تكون تلك السخائم والمآثم، فهناك: فناء الأمم، وموت الهمم، وفشل العزائم، وتلاشي العناصر. هناك: الاستعباد والاستعمار، والهلكة والبوار، وتغلب الأجانب، وسيطرة العدو..
أما حيث تكون الآراء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب متآلفة، والأيدي مترادفة، والبصائر متناصرة، والعزائم متوازرة، فلا القلوب متضاغنة، ولا الصدور متشاحنة، ولا النفوس متدابرة، ولا الأيدي متخاذلة، فهناك: العز والبقاء، والعافية والنعماء، والقهر والقوة، والملك والثروة، والكرامة والسطوة، هناك يجعل الله لهم من مضائق البلاء فرجا، ومن حلقات السوء مخرجا، ويبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف. فيصبحوا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما.
وليعتبر المسلمون اليوم بحال آبائهم بالأمس، كيف كانوا قبل الاسلام إخوان وبر ودبر، وأبناء حل وترحال، أذل الأمم دارا، وأشقاهم قرارا، لا جناح دعوة يأوون إلى كنفها، ولا ظل وحدة يستظلون بفيئها، في أطواق بلاء، وإطباق جهل، من نيران حرب مشبوبة، وغارات مشنونة، إلى بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، ودماء مهدورة (1).

(1) لعل أبلغ الوصف وأروعه في رسم الصورة الحياتية التي كان عليها العرب قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله، ما نقل عن سيد البلغاء والمتكلمين علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث قال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار، منيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم. الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة.. الخ (الخطبة 26).
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست