ولا يكون ذلك أبدا، فإذا ضرب المعاول ينب عن الأرض ولم يحفر لهم منها شيء ولا مثل قلامة ظفر.
فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عنى: إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد، فإذا ضرب نفذ في الأرض إلى قبر محفور وضريح قائم، فإذا انفرج القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلئ منه ذلك القبر حتى يصير الماء [مساويا مع وجه الأرض] ثم يضطرب فيه حوت بطوله، فإذا إضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلا إذا غاب الحوت وأغار الماء، فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه على، فإن القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ.
قال: قلت: نعم يا سيدي، ثم قال لي: إحفظ ما عهدت إليك واعمل به ولا تخالف.
قلت: أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي.
قال هرثمة: ثم خرجت باكيا حزينا، فلم أزل كالحبة على المقلاة لا يعلم ما في نفسي إلا الله تعالى، ثم دعاني المأمون، فدخلت إليه، فلم أزل قائما إلى ضحى النهار.
ثم قال المأمون: إمض يا هرثمة إلى أبي الحسن (عليه السلام) فاقرأه منى السلام وقل له:
تصير إلينا أو نصير إليك؟ فإن قال لك: بل نصير إليه، فاسأله عني أن يقدم ذلك، قال:
فجئته، فلما اطلعت عليه، قال لي: يا هرثمة أليس قد حفظت ما أوصيتك به؟ قلت:
بلى.
قال: قدموا إلي نعلي، فقد علمت ما أرسلك به، قال: فقدمت نعليه ومشى إليه، فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه إلى جانبه على سريره وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة، ثم قال لبعض غلمانه: يؤتى بعنب ورمان، قال هرثمة: فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر ورأيت