فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله.
فقال لي: لج فليس له حاجب ولا بواب، فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين (1) أنفه من كثرة سجوده فقلت له: السلام عليك يا بن رسول الله أجب الرشيد، فقال: ما للرشيد وما لي؟ أما تشغله نقمته - نعمته - عنى؟ ثم وثب مسرعا وهو يقول: لو لا أنى سمعت في خبر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أن طاعة السلطان للتقية واجبة ما جئت.
فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله، فقال (عليه السلام): أليس معي من يملك الدنيا والآخرة؟ ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله تعالى.
قال فضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده (عليه السلام) يلوح بها على رأسه ثلاث مرات، فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران، فلما رآني قال لي: يا فضل، فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمى؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟
فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أنى عليه غضبان، فإني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول، فأذنت له، فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له:
مرحبا بابن عمي وأخي ووارث نعمتي، ثم أجلسه على فخذيه، فقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال: سعة مملكتك وحبك للدنيا، فقال: ائتوني بحقة الغالية فأتى بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير، فقال موسى بن جعفر (عليهما السلام): والله لولا أنى أرى أن أزوج بها من عزاب بنى أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها.
ثم تولى عليه وهو يقول: الحمد لله رب العالمين، فقال الفضل: يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته فقال لي: يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني به