وانجز عداتي وابرئ ذمتي. فقال العباس: يا نبي الله، أنا شيخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، وأنت أجود من السحاب الهاطل والريح المرسلة، فلو صرفت ذلك عني إلى من هو أطوق له منى.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إني ساعطيها من يأخذها بحقها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقبل وصيتي وانجز مواعيدي وأد ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلغ عني من بعدي.
قال علي (عليه السلام): فلما نعى إلى نفسه، رجف فؤادي والقى على لقوله البكاء فلم أقدر أن أجيبه بشيء، ثم عاد لقوله فقال: يا علي، أو تقبل وصيتي؟ قال: فقلت، وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أبين: نعم يا رسول الله.
فقال (صلى الله عليه وآله): يا بلال ائتني بسوادي (1)، ائتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وائتني بالعنزة (2) والممشوق (3); فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة.
ثم قال: ائتني بالمرتجز والعضباء، ائتني باليعفور والدلدل; فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثم قال: ائتني بالاتحمية (4) والسحاب; فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشيء شيء، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتى بها، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار.
ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا; ومد إصبعه، وقال: في حياة مني، وشهادة من في البيت، لكيلا ينازعك أحد من بعدي; فقمت وما أكاد أمشى على قدم حتى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال: يا علي أجلسني; فأجلسته وأسندته إلى صدري.
قال علي (عليه السلام): فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن رأسه ليثقل ضعفا، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم: أن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي