الملعونة في القرآن، فلما لم أجب إلى ما أشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا فأتبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عزوجل ببعد الأعذار والأنذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودناه من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيدينا لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضى الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته، لا يدرى كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام والدعاء إلى ما فيها وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وتقيا وقد دعوك إلى كتاب الله اولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره، فرفع المصاحب يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب ومن بقي من أصحابي بعد فناء أخيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائر هم وظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمرى، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته. فجهدت - علم الله جهدي - ولم أدع غلة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلونى ورأيي فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومأ بيده إلى الأشتر - وعصبة من أهل بيتي، فوالله ما منعني أن أمضى على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان - وأومأ بيده إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) - فينقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا - وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضى الله عنهما - فإنى أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع
(٢٩٧)