الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم، فدعوا له بالبركة وقالوا: يا أمير المؤمنين، أين تنزل؟ أتنزل القصر؟ فقال: لا، ولكني أنزل الرحبة. فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال:
أما بعد؛ يا أهل الكوفة! فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا.
دعوتكم إلى الحق فأجبتم، وبدأتم بالمنكر فغيرتم. ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم. فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. الحمد لله الذي نصر وليه، وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق، وأذل الناكث المبطل.
عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم، الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه، من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا، يتفضلون بفضلنا، ويجاحدونا أمرنا، وينازعونا حقنا، ويدافعونا عنه. فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا. ألا إنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار. فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا، ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي - وكان صاحب شرطته - فقال: والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا. والله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي:
سبحان الله يا مال! جزت المدى، وعدوت الحد، وأغرقت في النزع! فقال: يا