أمير المؤمنين إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية، قال: فنكت أمير المؤمنين (عليه السلام) الأرض بعود كان في يده ساعة، ثم رفع رأسه فقال: كذبت والله، ما أعرف وجهك في الوجوه، ولا اسمك في الأسماء.
فعجبت من ذلك عجبا شديدا، فلم أبرح حتى أتاه رجل آخر فقال: والله يا أمير المؤمنين، إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية، فنكت بعوده ذلك في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال: صدقت، إن طينتنا طينة مرحومة، أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق، فلا يشذ منها شاذ، ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة. أما إنه فاتخذ للفاقة جلبابا، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل المنحدر من أعلى الوادي إلى أسفله (1).
1004 - محمد بن مسلم: خرجت إلى المدينة وأنا وجع ثقيل، فقيل له [أي لأبي جعفر (عليه السلام)]: محمد بن مسلم وجع، فأرسل إلي أبو جعفر بشراب مع الغلام مغطى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: إشربه فإنه قد أمرني أن لا أرجع حتى تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه، وإذا شراب طيب الطعم بارد، فلما شربته قال لي الغلام: يقول لك إذا شربت فتعال.
ففكرت فيما قال لي ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي، فلما استقر الشراب في جوفي كأنما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه، فصوت بي: صح الجسم، أدخل أدخل. فدخلت وأنا باك، فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه، فقال لي: وما يبكيك يا محمد؟ فقلت: جعلت فداك، أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك.
فقال لي: أما قلة المقدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعا، وأما ما ذكرت من الغربة فلك بأبي عبد الله أسوة بأرض ناء عنا