جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (ع) - ابن الدمشقي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٠
الله وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها!.
ثم قال: يا معاوية أظنك لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليك رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة، فبعث إليك (ابن عباس، فوجدك تأكل، ثم بعثه إليك مرة أخرى فوجدك تأكل، فدعا عليك الرسول بجوعك) ونهمك إلى أن تموت. (١) وأنتم أيها الرهط: نشدتكم الله، ألا تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها:
أولها: يوم لقي رسول الله صلى الله عليه وآله خارجا من مكة إلى الطائف، يدعو ثقيفا إلى الدين، فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده، وهم أن يبطش به، فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.
والثانية يوم العير، إذ عرض لها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي جائية من الشام، فطردها أبو سفيان، وساحل بها، فلم يظفر المسلمون بها، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وآله، ودعا عليه، فكانت وقعة بدر لأجلها.
والثالثة يوم أحد، حيث وقعت تحت الجبل، ورسول الله صلى الله عليه وآله في أعلاه، وهو ينادي:
هبل! مرارا، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله عشر مرات، ولعنه المسلمون.
والرابعة يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود، فلعنه رسول الله وابتهل.
والخامسة يوم جاء أبو سفيان فصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله، ذلك يوم الحديبية، فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان، ولعن القادة والاتباع، وقال: " ملعونون كلهم، وليس فيهم من يؤمن "، فقيل: يا رسول الله، أفما يرجى الاسلام لاحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال: " لا تصيب اللعنة أحدا من الاتباع، وأما القادة فلا يفلح منهم أحد ".
والسادسة يوم الجمل الأحمر.
والسابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة ليستنفروا ناقته، وكانوا اثنى عشر رجلا، منهم أبو سفيان، فهذا لك يا معاوية (٢).
وأما أنت يا بن العاص، فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا، من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال: أنا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل.
وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة.
ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة، لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا، وأكذبك واشيا، جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي، حسدا لما ارتكب مع حليلتك، ففضحك الله وفضح صاحبك.
فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام، ثم إنك تعلم، وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة "، فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن.
وأما ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فما أتاك قتله، قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا ولا غضبت له مقتولا، ويحك يا ابن العاص! ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي:
تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير مني بمستنكر فقلت: ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر وشانئ أحمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر وأجرى إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر فإن قبل العتب مني له * وإلا لويت له مشقري فهذا جوابك، هل سمعته!
وأما أنت يا وليد، فوالله ما ألومك على بغض علي، وقد جلدك ثمانين في الخمر، وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا، وأنت الذي سماه الله الفاسق، وسمى عليا المؤمن، حيث تفاخرتما فقلت له: اسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا، وأطول منك لسانا، فقال لك علي: اسكت، يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق.
فأنزل الله تعالى في موافقة قوله: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *، ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *.
ويحك يا وليد! مهما نسيت، فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه:
أنزل الله والكتاب عزيز * في علي وفي الوليد قرانا فتبوى الوليد إذ ذاك فسقا * وعلي مبؤا إيمانا ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمن كان فاسقا خوانا سوف يدعى الوليد بعد قليل * وعلي إلى الحساب عيانا فعلي يجزى بذاك جنانا * ووليد يجزى بذاك هوانا رب جد لعقبة بن أبان * لابس في بلادنا تبانا وما أنت وقريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد، وأسن ممن تدعى إليه.
وأما أنت يا عتبة، فوالله ما أنت بحصيف فأجيبك، ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك، وما عندك خير يرجى، ولا شر يتقى، وما عقلك وعقل أمتك إلا سواء، وما يضر عليا لو سببته على رؤس الاشهاد!
وأما وعيدك إياي بالقتل، فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك! أما تستحي من قول نصر بن حجاج فيك:
يا للرجال وحادث الأزمان * ولسبة تخزى أبا سفيان نبئت عتبة خانه في عرسه * جبس لئيم الأصل من لحيان وبعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه، فكيف يخاف أحد سيفك، ولم يقتل فاضحك؟ وكيف ألومك على بغض علي، وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد!
وأما أنت يا مغيرة، فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه، وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة:
استمسكي، فإني طائرة عنك، فقالت النخلة: وهل علمت بك واقعة علي فأعلم بك طائرة عني!
والله ما نشعر بعداوتك إيانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها، ولا يشق علينا كلامنا وإن حد الله في الزنا لثابت عليك، ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه.
ولقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم): هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟
فقال: " لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا " لعلمه بأنك زان!!
وأما فخركم علينا بالامارة فإن الله تعالى يقول: * (إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) * (١٦ / الاسراء).
ثم قام الحسن فنفض ثوبه وانصرف، فتعلق عمرو بن العاص بثوبه وقال: يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وقذفه أمي بالزنا، وأنا مطالب له بحد القذف.
فقال معاوية: خل عنه لا جزاك الله خيرا. فتركه (عمرو).
فقال معاوية: قد أنبأتكم ممن لا تطاق عارضته ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني والله ما قام حتى أظلم علي البيت قوموا عني فقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم، وعدولكم عن رأي الناصح المشفق (٣).
(١) قال محمد أبو الفضل إبراهيم في تعليق الكلام: (ما بين المعقوفين) زيادة يقتضيها السياق، أخذت عن قصة نقلها (ابن الأثير، عن الباب: (٢٥) من كتاب البر والصلة) من صحيح مسلم (ج ٤ ص ٢٠١٠ كما) في ترجمة معاوية من أسد الغابة: ج ٤ ص ٣٨٦ ط ١.
(٢) هذا دليل على كذب ما اختلقه حفاظ بني أمية ظلما وعدوانا وقالوا: إن جميع من أرادوا في تبوك ذعر ناقة رسول الله كانوا من الأنصار.
(٣) ولهذا المعنى شواهد كثيرة يجدها الطالب في الغدير: ج ٦ ص ١٢٦ - 132، ط 1.