الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ٧٢٧
وبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غائلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح (1) فأجابه إلى ذلك وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه.
وبعد إجابة (2) معاوية لصلح الحسن (3) فاشترط عليه الحسن (عليه السلام) شروطا كثيره كان

(١) في (ب): الصلاح.
(٢) (أ): ووصل (بدل) وبعد إجابة.
(٣) اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصلح، فابن خلدون في تاريخه: ٢ / ١٨٦ ذهب إلى أن المبادر لذلك هو الإمام الحسن (عليه السلام) حين دعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه بعد ما آل آمره إلى الانحلال، وقال ابن الأثير في الكامل: ٣ / ٢٠٥ مثل ذلك لأن الإمام الحسن (عليه السلام) رأى تفرق الأمر عنه، وجاء مثله في شرح النهج لابن أبي الحديد: ٤ / ٨.
وأما ابن أعثم في الفتوح: ٢ / ٢٩٢ قال: ثم دعا الحسن بن علي بعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن أخت معاوية فقال له: صر إلى معاوية فقل له عني: إنك إن أمنت الناس على أنفسهم... وقريب من هذا في تاريخ الطبري: ٦ / ٩٢، والبداية والنهاية: ٨ / ١٥، وابن خلدون:
٢ / ١٨٦، وتاريخ الخلفاء: ٧٤، والأخبار الطوال: ٢٠٠، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ١٩٢.
أما الفريق الآخر فقد ذكر أن معاوية هو الذي طلب وبادر إلى الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد، كما ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد: ٢ / ١٣ و ١٤ وصاحب كشف الغمة: ١٥٤، ومقاتل الطالبيين: ٧٤، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ٢٠٦ ولكننا نعتقد أن معاوية هو الذي طلب الصلح، ومما يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن (عليه السلام) الذي ألقاه في المدائن وجاء فيه: ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفه... وقد أشرنا إليه سابقا.
وكذلك اختلف المؤرخون اختلافا كبيرا واضطربت كلماتهم في شروط الصلح. فمنهم من قال: إن الإمام الحسن (عليه السلام) أرسل سفيرين إلى معاوية هما عمرو بن سلمة الهمداني، ومحمد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده، فأعطاه معاوية هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان، إني صالحتك على ان لك الأمر من بعدي، ولك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله محمد (صلى الله عليه وآله)، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولا مكروها، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج بسا ودار أبجرد، تبعث إليهما عمالك، وتصنع بهما ما بدالك. شهد بها عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الكندي، وعبد الرحمن بن سمرة، ومحمد بن الأشعث الكندي، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين هجرية.
واحتفظ الإمام (عليه السلام) برسالة معاوية، وأرسل إليه عبد الله بن الحارث بن نوفل... ولما انتهى عبد الله إلى معاوية عرض عليه مهمة الإمام (عليه السلام) وهي طلب الأمن العام لعموم الناس... فاستجاب له وأعطاه طومارا وختم في أسفله وقال له: فليكتب الحسن فيه ما شاء... وهذا هو التفويض المطلق للإمام فكتب (عليه السلام) ما رامه من الشروط. فانظر الكامل في التاريخ: ٣ / ٢٠٥، وتاريخ الطبري: ٦ / 93.
(٧٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 720 721 722 723 723 727 728 729 731 732 733 ... » »»
الفهرست