الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ٧٢٣

والأهواء... وأصبحت البقية من الجيش تفتش عن قائدها ليصلي بها صلاة الصبح فلم تجده، فصلى بهم قيس بن سعد (رضي الله عنه) ونظر في أمورهم، وملك قيس أحاسيس الجيش وشعورهم بخطابه المؤثر حيث قال:
إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خيرا قط، إن أباه عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج يقاتله ببدر... وإن أخاه ولاه علي على البصرة فسرق ماله ومال المسلمين... وإن هذا ولاه علي على اليمن فهرب من بسر بن أبي أرطاة وترك ولده حتى قتلوا، وصنع الآن هذا الذي صنع... انظر الخطبة في مقاتل الطالبيين: ٧٣، وابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٦ / ٤٠، ورجال الكشي: ١١٢ / ١٧٩، والبحار: ٤٤ / ٦٠ / ٨.
وساعد الله قلب الإمام الحسن (عليه السلام) حينما انتهي إليه هذا النبأ المؤسف، ولكن ازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيات " المحكمة " فيه.... ولم يكتف معاوية بطعنه الجيش العراقي في صميمه بل سلك طرقا أخرى منها أشاع في المدائن أن قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ولم يشك الجيش في صدق هذه الدعاية لأن عبيد الله هو أمس الناس رحما بالإمام وقد غدر به فكيف بغيره؟... هذا ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية: ٨ / ١٤، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ١٩١.
أما الدميري في حياة الحيوان: ١ / ٥٧ فقد ذكر أن معاوية أذاع أن قيس بن سعد قد قتل فانفروا...
ومزقت هذه الدعايات الكاذبة أعصاب الجيش، وأماتت نشاطه العسكري وأصبح متفككا تسوده الفتن والاضطراب، ولم تنفع محاولات الإمام (عليه السلام) التي بذلها من أجل استقامتهم وصلاحهم...
حقا لقد كان موقف الإمام موقفا تمثلت فيه الحيرة والذهول، ينظر إلى معاوية فيرى حربه ضروريا يقضي به الدين ويلزم به الشرع، وينظر إلى الانقلاب والتفكك الذي أصيب به جيشه وإلى المؤامرات المفضوحة إلى اغتياله فينفض يده منهم وييأس من صلاحهم، ومع ذلك أراد أن يمتحنهم ليرى موقفهم من الحرب، فأمر بعض أصحابه أن ينادي في الناس " الصلاة جامعة " فاجتمع الجمهور وقام فيهم خطيبا فقال: والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين وديتكم أمام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم... ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز، ولا نصفه، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه [بظبا] بظبات السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذناه بالرضا... ولما انتهى من كلامه ارتفعت الأصوات من جميع جنبات الجمع وهي ذات مضمون واحد. البقية، البقية... انظر ابن الأثير في الكامل: ٣ / ٢٠٤ و ١٧٦ ط أخرى، وحماة الإسلام: ١ / ١٢٣، المجتنى لابن دريد: ٣٦.
وروى ذلك الطبري في تاريخه: ٦ / ٩٦، وابن خلدون وغيرهم من المؤرخين كأعلام الدين للديلمي (مخطوط): ١٨٢، والبحار: ٤٤ / ٢١ / ٥.
ومع كل هذا تحوم حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) شبهات كثيرة اثارها أصحاب الظنون والأقوال كالصفدي مثلا في شرح لامية العجم: ٢ / ٢٧ والذي خبط خبط عشواء حيث قال: وهذا الحسن بن علي قال لمعاوية: إن علي دينا فأوفوه عني وأنتم في حل من الخلافة، فأوفوا دينه وترك لهم الخلافة... نعوذ بالله من هذا الافتراء الكاذب، ونقول للصفدي. متى باع الخلافة على خصمه بوفاء دينه؟ وهو الإمام المعصوم من الخطأ ولا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح لجميع الأمة... و... وعلى الصفدي مراجعة البخاري: ٢ / ٧١ بإسناده عن الحسن قال: استقبل والله الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية بكتائب أمثال الجبال... وفي: ٤ / ١٤١ قريب من هذا، وفي إرشاد الساري: ٤ / ٤١١ قال الكرماني: وقد كان يومئذ الحسن أحق الناس بهذا الأمر، فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله، ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة... ومثله في الاستيعاب: ١ / ٣٨٥ حيث قال: "... دعاه ورعه وفضله إلى ان ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله....
وقد حذا فيليب متى حذو الصفدي في كتابه العرب: ٧٨ حيث قال فانزوى - يعني الإمام الحسن (عليه السلام) - عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها - يعني معاوية -.
وهذا المستشرق (روايت م. رونلدس) تعرض - في كتاب " عقيدة الشيعة " تعريب ع م ص - لصلح الإمام الحسن (عليه السلام) وقال: إن الحسن كانت تنقصه - والعياذ بالله - القوة المعنوية والقابلية العقلية لقيادة شعبه بنجاح...
وكذلك قال (لامنس) الانكليزي الحاقد على الإسلام قريب من كلام رونلدس وقد شحن دائرة المعارف الإسلامية: ٧ / ٤٠٠ بالأكاذيب والبهتان والتهريج على الإسلام وعلى الشيعة بالخصوص. انظر حياة الإمام الحسن (عليه السلام) لباقر شريف القرشي: ٢ / ١١٥ وما بعدها مطبعة الآداب النجف الأشرف.
وهناك عوامل أخرى أدت إلى وثيقة الصلح من تضارب الحزبية في الجيش كالحزب الأموي وأبناء الأسر البارزة الذين لا يهمهم غير الزعامة الدنيوية والظفر بالمال والسلطان كعمر بن سعد وقيس بن الأشعث وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر وعمرو بن الحجاج الذين كاتبوا معاوية سرا ووعدوه باغتيال الإمام أو تسليمه له أسيرا، وكذلك الحزب الحروري الذي استولى على عقول السذج والبسطاء من الجيش، وخيانة القادة أمثال عبيد الله بن العباس وخيانة ربيعة بقيادة خالد بن معمر الزعيم اللامع في ربيعة حيث اقبل إلى معاوية فقال له: أبايعك عن ربيعة كلها وبايعه على ذلك وفيه يقول الشاعر مخاطبا معاوية:
معاوي أكرم خالد بن معمر * فإنك لولا خالد لم تؤمر ولذا خاطب الإمام الحسن (عليه السلام) أهل العراق عند ما سمع بذلك بقوله: يا أهل العراق أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة، ثم اختلفتم عليه، وقد أتاني أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني في ديني ونفسي... وكذلك بايع معاوية سرا عثمان بن شرحبيل زعيم بني تميم، كما ذكر ذلك صاحب أنساب الأشراف: ق 1: 1 / 223.
(٧٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 719 720 721 722 723 723 727 728 729 731 732 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الفصل الثاني: في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 685
2 فصل: في نسبه، وكنيته، ولقبه، وصفاته الحسنة 692
3 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) 697
4 فصل: في علمه (عليه السلام) 702
5 فصل: في عبادته وزهادته (عليه السلام) 705
6 فصل: في جوده وكرمه (عليه السلام) 707
7 فصل: في شيء من كلامه (عليه السلام) 710
8 فصل: في ذكر طرف من أخباره (عليه السلام) ومدة خلافته 713
9 فصل: في ذكر وفاته ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 734
10 فصل: في ذكر أولاده (عليه السلام) 742
11 الفصل الثالث: في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 753
12 فصل: في ذكر نسبه وكنيته ولقبه (عليه السلام) 755
13 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من جهة النبي (صلى الله عليه وآله) 756
14 فصل: في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته (عليه السلام) 763
15 فصل: في ذكر كرمه وجوده (عليه السلام) 767
16 فصل: في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه (عليه السلام) 770
17 فصل: في ذكر مخرجه (عليه السلام) إلى العراق 776
18 فصل: في ذكر مصرعه ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 809
19 ذكر من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومن أهل بيته ومواليه 842
20 فصل: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلام 851
21 الفصل الرابع: في ذكر علي بن الحسين (عليهما السلام) 853
22 الفصل الخامس: في ذكر أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) 877
23 الفصل السادس: في ذكر أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) 907
24 الفصل السابع: في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) 931
25 الفصل الثامن: في ذكر أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 965
26 ذكر ولاية العهد من المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) 1005
27 الفصل التاسع: في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن علي الرضا (عليهما السلام) 1033
28 الفصل العاشر: في ذكر أبي الحسن علي المعروف بالعسكري (عليه السلام) 1061
29 الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي محمد الحسن الخالص بن علي العسكري (عليه السلام) 1077
30 الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد 1095
31 علامات قيام القائم ومدة أيام ظهوره (عليه السلام) 1123
32 الفهارس 1137
33 فهرس الآيات 1139
34 فهرس الأحاديث الشريفة 1157
35 فهرس الأسماء و الكنى و الألقاب 1205
36 فهرس المذاهب والفرق 1323
37 فهرس الجماعات والقبائل والأقوام 1327
38 فهرس الأماكن والبلدان 1335
39 فهرس الحوادث والغزوات والحروب والوقائع 1349
40 فهرس الأشعار 1353
41 فهرس المنابع والمآخذ 1369