الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ٧٢٣
وقتلوا آخر كان معه، وحمل الحسن (عليه السلام) على سرير من تلك الضربة إلى المدائن (1) فنزل بها على سعد بن مسعود الثقفي (2) وكان عاملا عليها من جهة أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأقره الحسن على ذلك واشتغل الحسن (عليه السلام) بمعالجة جرحه. وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا واستحثوه على سرعة سرعة السير (3) نحوهم وضمنوا له (4) تسليم الحسن (عليه السلام) عند دنوهم (5) من عسكره والفتك به (6).

(١) المدائن جمع المدينة، وكانت مدنأ كل واحدة إلى جنب أخرى على جانب الجنوب من بغداد على مسافة ٣٠ كيلو مترا، وبقيت منها الإيوان المنسوبة إلى كسرى، وقريبة منها قبر سلمان وحذيفة (رضي الله عنه).
(٢) هو سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد كما جاء في تاريخ الطبري: ٦ / ٩٢، وجمهرة أنساب العرب: ٢٥٧، ومستدرك الحاكم: ٣ / ٧٤، وابن الأثير: ٣ / ١٧٥، وابن خلدون: ٢ / ١٨٦، والإصابة ترجمة الحسن وابن الوردي: ١ / ١٦٦، المسير ورجال الكشي: ١١٢ / ١٧٩، والبحار:
٤٤ / ٦٠ / ٨، وفي الأخبار الطوال: ٢١٧ وشرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ١٥.
(٣) في (أ): المسير.
(٤) في (ب، ج): إليه.
(٥) في (أ): عند دنوه منهم.
(٦) جاء في علل الشرائع: ١ / ٢٢٠ ح ١ و: ٨٤ طبعة قديمة، والبحار: ٤٤ / ٣٣ / ١: دس معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه: أنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي، فبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فاستلأم ولبس درعا وكفرها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة...
نقول: استجابت النفوس المريضة لهذه الرشوة بنطاقها الواسع ولأساليب معاوية لأنه عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمادة فبذلها لهم بسخاء، وكذلك عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمنصب وكذلك عرف الأشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمصاهرة والزواج من بناته.
وهذا مما يدل على الخسة والانحطاط في الرذيلة والموبقة.
وهؤلاء من أمثال عمرو بن حريث بن عثمان القرشي المخزومي الكوفي والذي كان عمره يوم وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) اثني عشر سنة، وكان من الطلقاء الصغار ولي الكوفة عن زياد وابنه عبيد الله والذي توفي سنة (٧٥ ه‍) كما ذكر ذلك صاحب تهذيب التهذيب: ٧ / ١٧.
أما حجار بن أبجر العجلي فقد كان أبوه نصرانيا فقال له: يا أبت أرى قوما قد دخلوا في هذا الدين فشرفوا وقد أردت الدخول فيه، فقال له أبوه: يا بني اصبر حتى أقدم معك على عمر ليشرفك، وإياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوى، ووفد على عمر فقال أبجر لعمر: أشهد ان لا إله إلا الله وأن حجارا يشهد أن محمدا رسول الله، فقال عمر: وما يمنعك أن تقولها أنت؟ فقال أبجر: إنما أنا هامة اليوم أوغد...
وذكر المرزباني في معجم الشعراء أن أبجر مات على نصرانيته في زمن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قبل قتله بيسير، ولما مات شيعته النصارى، وكان حجار يمش في جانب مع أناس من المسلمين... انظر الإصابة: ١ / ٣٧٣.
وجاء في بعض المصادر التاريخية: أن حجارا كان من الأشخاص الذين راسلوا سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) بالقدوم إلى العراق ولما قدم (عليه السلام) العراق كان هذا الأثيم في طليعة الواثبين عليه. ولذا نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام) يخاطبهم بقوله: ويلكم، والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلى، وإني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدي (صلى الله عليه وآله) وإني أقدر أن أعبد الله عزوجل وحدي، ولكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطمعونهم بما جعل الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبعدا وسحقا لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ومن تأثير الرشوة على تلك النفوس المريضة قصة إرسال الإمام (عليه السلام) قائده الكندي في أربعة آلاف وأمره أن يعسكر بالأنبار وان لا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره، فلما نزل بها وجه إليه معاوية رسولا وكتب معه: إنك إن أقبلت إلي أولك بعض كور الشام والجزيرة غير منفس عليك. وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض الكندي المال وانحاز إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته، فبلغ ذلك الحسن فقام خطيبا وقال: هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرة بعد مرة أنه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا، وأنا موجه رجلا آخر مكانه، وإني أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا يراقب الله في ولا فيكم. فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف وتقدم إليه بمشهد من الناس وتوكد عليه وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل، فقال الإمام (عليه السلام): إنه سيغدر... وكتب إليه معاوية بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم، ومناه... فقلب على الحسن وأخذ طريقه إلى معاوية وبلغ الحسن ما فعل المرادي فقام خطيبا وقال: قد أخبرتكم مرة بعد أخرى انكم لا تفون لله بعهود وهذا صاحبكم المرادي غدر بي وبكم وصار إلى معاوية... انظر الخرائج والجرائح (المخطوط): ٢٩٦، وكشف الغمة: ١٥٤، والبحار: ٤٤ / ٤٣ و ٣٣ / ١، ٤، وشرح النهج: ١٦ / ٤٢، أعيان الشيعة: ٤ / ق ١: ٢٢، وعلل الشرائع: ١ / ٢٢٠ / ١ ثم إن معاوية مد أسلاك مكره إلى عبيد الله بن العباس فجذبه إليه، وصار ألعوبة بيده، وقد خان عبيد الله بذلك ثقل رسول الله، وترك موكب الحق والهدى بعد أن أرسل إليه معاوية رسالة مشاعر حيث قال فيها: " إن الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الأمر إلي، فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا، وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، أعجل لك في هذا الوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر... انظر الرسالة كاملة في نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد: 4 / 28، وانظر الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 12 و 13 والتي يشير فيها قيس بن سعد (رضي الله عنه) في رسالته إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ويخبره أن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه وضمن له ألف ألف درهم...
لقد تمثل في معاوية الكذب الصريح والمكر السافر في قوله " إن الحسن قد راسلني في الصلح... " لقد تسلل عبيد الله إلى معاوية في غلس الليل البهيم ومعه ثمانية آلاف من الجيش من ذوي الأطماع
(٧٢٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام (6)، سعد بن مسعود (2)، القتل (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب علل الشرايع للصدوق (2)، كتاب الخرائج والجرائح للقطب الراوندي (1)، كتاب رجال الكشي (1)، دولة العراق (2)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، مدينة الكوفة (2)، كتاب نهج البلاغة (1)، صلح (يوم) الحديبية (2)، حجار بن أبجر (2)، إبن الأثير (1)، شبث بن ربعى اليربوعي (1)، عبيد الله بن العباس (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)، مدينة بغداد (1)، الحسن بن علي (1)، عمرو بن حريث (2)، قيس بن سعد (1)، الشام (2)، الكذب، التكذيب (1)، الوسعة (1)، القبر (1)، الزوج، الزواج (1)، الموت (2)، الصّلاة (2)، الشهادة (1)، المنع (1)، الرشوة، الإرتشاء (2)، الجنابة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 717 719 720 721 722 723 723 727 728 729 731 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الفصل الثاني: في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 685
2 فصل: في نسبه، وكنيته، ولقبه، وصفاته الحسنة 692
3 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) 697
4 فصل: في علمه (عليه السلام) 702
5 فصل: في عبادته وزهادته (عليه السلام) 705
6 فصل: في جوده وكرمه (عليه السلام) 707
7 فصل: في شيء من كلامه (عليه السلام) 710
8 فصل: في ذكر طرف من أخباره (عليه السلام) ومدة خلافته 713
9 فصل: في ذكر وفاته ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 734
10 فصل: في ذكر أولاده (عليه السلام) 742
11 الفصل الثالث: في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 753
12 فصل: في ذكر نسبه وكنيته ولقبه (عليه السلام) 755
13 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من جهة النبي (صلى الله عليه وآله) 756
14 فصل: في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته (عليه السلام) 763
15 فصل: في ذكر كرمه وجوده (عليه السلام) 767
16 فصل: في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه (عليه السلام) 770
17 فصل: في ذكر مخرجه (عليه السلام) إلى العراق 776
18 فصل: في ذكر مصرعه ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 809
19 ذكر من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومن أهل بيته ومواليه 842
20 فصل: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلام 851
21 الفصل الرابع: في ذكر علي بن الحسين (عليهما السلام) 853
22 الفصل الخامس: في ذكر أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) 877
23 الفصل السادس: في ذكر أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) 907
24 الفصل السابع: في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) 931
25 الفصل الثامن: في ذكر أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 965
26 ذكر ولاية العهد من المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) 1005
27 الفصل التاسع: في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن علي الرضا (عليهما السلام) 1033
28 الفصل العاشر: في ذكر أبي الحسن علي المعروف بالعسكري (عليه السلام) 1061
29 الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي محمد الحسن الخالص بن علي العسكري (عليه السلام) 1077
30 الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد 1095
31 علامات قيام القائم ومدة أيام ظهوره (عليه السلام) 1123
32 الفهارس 1137
33 فهرس الآيات 1139
34 فهرس الأحاديث الشريفة 1157
35 فهرس الأسماء و الكنى و الألقاب 1205
36 فهرس المذاهب والفرق 1323
37 فهرس الجماعات والقبائل والأقوام 1327
38 فهرس الأماكن والبلدان 1335
39 فهرس الحوادث والغزوات والحروب والوقائع 1349
40 فهرس الأشعار 1353
41 فهرس المنابع والمآخذ 1369