فاعلم: أن الاستثناء في الحديث مفرغ كما هو واضح، ولا بد فيه من تقدير، وهو شيئان:
أحدهما: لا تشد الرحال إلى مسجد إلا إلى المساجد الثلاثة.
وعلى هذا فلا حجة للخصم فيه.
والتقدير الثاني - لا تشد الرحال إلى مكان إلا إلى المساجد الثلاثة.
ولا بد من تقدير أحد هذين، ليكون المستثنى مندرجا تحت المستثنى منه.
والتقدير الأول - وهو لا تشد الرحال إلى مسجد - أولى من التقدير الثاني - وهو لا تشد الرحال إلى مكان - لأنه على التقدير الأول جنس قريب، لما فيه من قلة التخصيص، لأن التخصيص على تقدير إضمار الأمكنة أكثر، فيكون مرجوحا.
ولو خطر بالبال تقدير العموم في الحديث لكان خيالا فاسدا لسياقه، وللقرينة اللفظية فيه، ولدخول التخصيص بالأدلة السمعية والعملية الكثيرة جدا:
أما سياقه: فلأن الحديث إنما ورد لبيان شرف هذه المساجد الثلاثة وخيرتها (1) على غيرها من المساجد، كما مر من أنها مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا تضاعف الأعمال فيها ما لا تضاعف في غيرها، والمتكلمون على الحديث إنما يتكلمون في ذلك ونحوه، من لزوم النذر المتعلق بها، دون الزيارات.
ولهذا لما تكلم بعض المتأخرين على الحديث وأدرج ذكر الزيارة، اعترض عليه في ذكر الزيارة، وقيل: لم يرد الحديث لذلك، وإنما ورد لبيان شرف هذه المساجد دون غيرها.
وهذا كاف في بطلان الاحتجاج بالحديث لمنع زيارة القبور، والزيادة على