قال حجة الإسلام الغواص الغزالي: (وهذا في حق الباري - سبحانه وتعالى - يقارب ترك الأدب، كما أنه ليس من الأدب أن يقال لملك: ليس بحائك ولا بحجام، لأن نفي الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود، وفي ذلك الإيهام نقص.
بل القدوس: المنزه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره وهم، أو يسبق إليه فكر، أو يهجس به سر، أو يختلج به ضمير، أو يسنح له خفي خيال).
وقد أجاد رضي الله عنه.
(فائدة جليلة للمنزه والمشبه) وههنا فائدة جليلة للمنزه والمشبه: وهي أنه ينبغي للعبد أن يجعل له حظا وافرا من تكرير هذا الاسم والإمعان في معناه، فإن كان منزها عطف ذلك عليه، وقدس نفسه وقلبه وبدنه:
أما نفسه فيطهرها من الأوهام المذمومة، كالغضب والحقد والحسد والغش وسوء الظن والكبر وحب الشرف والعلو وحب الدنيا ولوازمها وغير ذلك، ويبدلها بالأوصاف المحمودة، فيطهرها أيضا عن العاهات والشهوات، وما تدعو إليه من المستحسنات والمألوفات، إذ هي أزمة الشيطان يقود بها إلى ارتكاب الموبقات.
وأما القلب فيطهره بالعقد الصحيح المطابق الجازم، وبالمبادرة إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي والأهواء، وتحقيق الإخلاص نية وقولا وعملا، وبالرضا بما جرى، فلا يأسف على فائت ولا يفرح بآت، وذلك يرجع إلى ذوق حلاوة الإيمان القلبي لا العملي، وعلامته تقديس القلب عن ملاحظة الأكوان، ولا يرى الأغيار إلا على العدم الأصلي، فلا يتحرك في ظاهره ولا باطنه حتى في أنفاسه إلا بالله عز وجل.