ذلك إنما هو على وجه التنزل.
فمن احتج بالحديث لمنع الزيارة ينبغي أن لا يرسم في حزب الفقهاء البتة، لما قررنا.
وإن قلنا بعموم اللفظ فكذلك، لأن وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال. وهذا في الاحتمال وإن كان فيه بعد، فما ظنك بهذا الحديث، الذي لا احتمال فيه من لفظه؟!
وهو قرينة ظاهرة قوية ولها شاهد ظاهر الدلالة، كما أذكره إن شاء الله تعالى، ولا سيما وقد دخله التخصيص بالأدلة السمعية والعملية، مع كثرة المخصصات على اختلاف أنواعها: فمنها ما هو فرض عين، ومنها ما هو فرض كفاية، ومنها ما هو مندوب، ومنها ما هو قربة، ومنها ما هو مباح. وصور هذه الأنواع لا تكاد تنحصر عدا.
فأما القرينة اللفظية فذكر المساجد الثلاث في الاستثناء وهو بعض المستثنى منه، وهذا قوي جدا.
و (إلى) تكون بمعنى اللام إذ حروف الصلة ينوب بعضها عن بعض كما هو كثير في الكلام، فالمعنى لا تشد الرحال لمسجد إلا للمساجد الثلاثة.
ويؤيد هذا: أن رجلا من التابعين قال لابن عمر رضي الله عنهما: أريد أن آتي الطور. قال: (إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى، ودع عنك الطور، فلا تأته).
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم، لم يتكلم إلا في شد الرحال إلى المساجد دون غيرها، وهو أعلم بالحديث وموارده ومصادره.
وعلى منواله تكلم العلماء في شد الرحال بالنسبة إلى المساجد، وكذا ذكر